
جورجيو أرماني.. حين احترق جسده واشتمّ رائحة الزيزفون
وراء كل قطعة حرير ناعمة، ووراء كل بدلة أنيقة، كانت تختبئ ندبة، لم تكن مجرد علامة على الجسد، بل كانت قصةً صاغتها الأقدار من لهيبٍ قديم، وحددت ملامح رجلٍ لم يُتوّج بالذهب، بل بالخيط والإبرة، ونبعت رقة إبداعاته من قسوةٍ دفينة، ليثبت أن الأناقة ليست مظهراً، بل هي صدى لحكايةٍ لم تُروَ.
وسط عواصف الإبداع وتلاطم صيحات المصممين العابرة، كان جورجيو أرماني يمثل صوتاً مختلفاً؛ هادئاً يُهمس بالجمال.
كان يستحضر مع نهاية كل عرض حكاية طفولته التي كادت أن يلتهمها لهيب الحرب، تلك الحكاية التي طبعت على روحه رؤيا فنية لم تنضب.
وُلد أرماني في بلدة بياشنزا الإيطالية، وعاش طفولة قاسية في ظل الفاشية وويلات الحرب العالمية الثانية التي تركت آثارها في كل مكان، عندما كان في التاسعة من عمره، تعرض لحادث مروع كان له أن يغير مساره تماماً.
كان يقف أمام دار سينما محلية، غارقاً في عالمه الخاص وهو يتأمل ملصق فيلم "سنو وايت"، حين عثر أحد أصدقائه على قذيفة هاون غير منفجرة، وهي من بقايا الحرب التي كانت منتشرة في المنطقة.
اشتعلت النيران فجأة، واندلع لهيب أبيض حارق التهم جسده الصغير، وتحديداً ساقيه. أغلق جورجيو عينيه، وفي خضم الفوضى والصراخ، فقد وعيه.
بسبب شدة الإصابة، بقي أرماني في المستشفى لمدة عشرين يوماً. كان العلاج قاسياً ومؤلماً للغاية؛ حيث تم وضعه في حوض من الكحول النقي لمكافحة الالتهاب وإزالة الجلد الميت. ورغم أن هذا الإجراء أنقذ حياته، إلا أنه ترك ندبة واحدة على قدمه، حيث ذاب حذاؤه في جلده.
وخلال ستة أسابيع من النقاهة، ظل الأطباء يلفّون عيني الصبي بضمادات. كانوا يزيلون جلده المحترق بنقعه بالكحول. وقال أرماني في مقابلة مع ((هاربرز بازار)) عام 2015: ((أغمضت عيني فجأة ولم أفتحهما مجدداً لمدة 20 يوماً. كنت أشمّ زهر الزيزفون في حدائق المستشفى، لكني لم أستطع رؤيته. كان الأمر صعباً عليّ لأنهم لم يكونوا متأكدين مما إذا كنت سأتمكن من الرؤية مرة أخرى)).
نمت لدى أرماني شغفٌ عميق بعلم التشريح في سنٍّ مبكرة، حيث كان يصنع "دمى من الطين تُخبأ بداخلها حبة قهوة" كما روى لصحيفة "الغارديان". هذا الشغف بالشكل البشري قاده إلى دراسة الطب لمدة عامين، لكنه سرعان ما ترك مقاعد الجامعة ليكمل خدمته العسكرية الإلزامية.
وبعد انتهاء مهمته في عام 1957م عاد الجندي إلى العائلة وبدأ العمل في متجر "الريناسنت" في ميلانو، كمراقب نافذة الملابس ثم الموظف التنفيذي والمسؤول بإدارة متجر تجريبي صغير، ولكون متميز في عملة سرعان ما عهدت إليه الإدارة بإعداد خطة المشتريات للمحل التجارى.
بعد 7 سنوات من العمل الجاد في متجر متعدد الأقسام، تعرف أرماني على مصمم الأزياء نينو سيروتي، في عام 1961، وطلب منه المساعدة في عرض نماج لبعض تصاميمه ومن هنا بدأت أعمال جورجيو الأولى للبيع تحت العلامة التجارية "هيتمان"،وهي الخطوة التي مهدت الطريق أمام ولادة إمبراطوريته الخاصة.
هذه التجربة المروعة تركت أثراً عميقاً في نفس أرماني، وأثارت فيه رغبة قوية في أن يصبح طبيباً لـ"شفاء" الآخرين.
ومع ذلك، يمكن القول إن الحادثة شكّلت فلسفته الفنية، حيث تحوّلت رغبته في "شفاء" الجسد من آثار الألم إلى رغبة في "إلباسه" بأناقة تجمع بين القوة والهدوء، لتصبح تصاميمه بمثابة درع ناعم، يمنح مرتديه ثقة وهدوءاً، ويخفي الضعف في الأكتاف المريحة والألوان المحايدة.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
الرئيس التونسى: القوى الاستعمارية القديمة ما تزال تحاول فرض سيطرتها على إفريقيا
مسؤول أممي يحذر من التصعيد الإسرائيلي في غزة وضم الضفة الغربية
مهرجان برويكستسيا الأول يشعل موسكو بالعروض الضوئية والموسيقى والفن الرقمي
ميد تراجع زخم مشاريع البناء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال يوليو 2025
وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يفتتحان اليوم أعمال تطوير مسجد الفتح بالزقازيق
أوروبا تستلهم من القطاع الزراعي نموذجاً لخفض فواتير الطاقة