
سري طمبورجي.. أرمني صار من عباقرة الفن السوري
عاش سري طفولة قاسية وظروفاً معيشية صعبة وحيرة في كيفية التوفيق بين عمله في دكان والده الإسكافي، وبين عشقه للموسيقى والطرب الشعبي، إذ كان بمجرد أن يتخلص من أصوات المطارق ودق المسامير في دكان والده، يعود إلى سكنه ليستمع إلى صوت آلته الموسيقية المحببة (الكمان)، حيث كان قد تعلم العزف على الكمان بمجهوده الشخصي ودون الاستعانة بأحد من العازفين. وبعد فترة قرر أن يعتمد على نفسه أيضاً في تعلم العزف على العود، فنجح.
وبعد أن تجاوز مرحلة الطفولة وصار فتى، راح يتردد في أوقات فراغه على مجالس آل الحريري، وهم أسرة حموية اشتهرت بحبها للفن والأدب ورعايتها الأدباء والفنانين، وهناك استطاع أن يلفت أنظار الحضور بصوته القوي وعزفه الجميل، بل وبقدرته على حفظ ما كان يُرتجل من أشعار، خصوصاً أشعار ((نعسان الحريري)) وأشعار نديم عائلة الحريري وصديقها الشيخ ((حمود الزبرؤوتي)) الذي كانت حماة كلها تعرفه بسبب ظرفه وكرمه وطيب معشره.
في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، انتقلت أسرته من حماة إلى دمشق، فاضطر أن ينتقل معها ليبدأ في دمشق حياة جديدة قادته للتعرف إلى الفنان صبحي سعيد الذي كان عازفاً على العود وملحناً ومعلماً لأجيال من الموسيقيين، وأحد الذين تعلموا الموسيقى والغناء على يد الفنان والمنولوجست الشعبي السوري ((سلامة الأغواني)). كان سري يسعى وقتها لمعرفة رأي صبحي سعيد في عزفه على العود، وبالفعل استمع الأخير له، فوجده عازفاً ماهراً لا يقل عنه مهارة.
هذه الشهادة من عازف في مقام صبحي سعيد (السوري من أصول فلسطينية مصرية) أطربت سري المجهول على الساحة الفنية في دمشق وقتذاك، فقرر أن يجلب من حماة كل ما تعلمه في سنوات طفولته ومراهقته من خلال حلقات الطرب الشعبي الفلكلوري التي كان يتردد عليها، وذلك في مسعى لإعادة تقديمها في دمشق؛ ولهذا فإن ما قدمه في دمشق وإذاعتها -التي تمكن من دخولها بفضل عبقريته الموسيقية- غلب عليه الطابع الفلكلوري الحموي حتى نهاية الأربعينات، ولا سيما أغنيته الشهيرة ((سكابا يا دموع العين سكابا)).
لاحقاً استولى عليه هوس التجديد، اقتفاء بما حدث في مصر للأغنية المصرية، فراح يلحن أغانيه بأسلوب مختلف، فيه التجديد، لكن دون التخلي كلياً عن الروح السورية. فقد غنى في حفل بالجامعة السورية سنة 1944 قصيدة ((دفنت أشجاني)) للشاعر الحموي بدر الدين الحامد، ثم غنى للشاعر نفسه في إذاعة دمشق قصيدة ((أنا في سُـكرين)) في مطلع الخمسينات، وأعقبها بغناء قصيدة ((أضحى التنائي)) للشاعر الأندلسي ابن زيدون، بلحن مختلف عن ذاك الذي وضعه زكريا أحمد للمطربة المصرية فتحية أحمد.
جملة القول.. إن سري حقق شهرة مدوية بدليل تنافس الإذاعات العربية (مثل إذاعة فلسطين وإذاعة الشرق الأدنى وإذاعة الشرق اللبنانية) على التعاقد معه لتسجيل أعماله، كما أن شهرته قادته للزواج من إحدى المعجبات الثريات من سيدات المجتمع الدمشقي التي فتحت له مخزناً كبيراً بشارع الصالحية لبيع الأحذية النسائية، ما حقق له شهرة إضافية في مجتمع المال والأعمال.
ما حدث بعد ذلك أن المال المتدفق عليه من محله الناجح أغراه بالتوسع، فنسي فنه لأجل الثروة، ونزح من أجل ذلك إلى بيروت ودخل في صفقات تجارية عادت عليه بالخسائر والإفلاس، ليُتوفى بالسكتة القلبية عام 1956 عن عمر ناهز 41 عاماً. وبموته فقدت الساحة الفنية السورية فناناً عصامياً بارعاً، نجح في التلحين والأداء القوي وغناء القصيدة العربية بطريقة متميزة رغم أنه أرمني الأصل والجذور.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
الأردن.. سور آيل للسقوط في منطقة السلالم بالسلط...
الشموع المعطرة... رائحة جذابة بمخاطر صحية محتملة!...