عن الوقت والمنبه المتحرك

(MENAFN- Akhbar Al Khaleej) من‭ ‬الناحية‭ ‬العلمية‭ ‬والطبية‭ ‬البحتة،‭ ‬فإن‭ ‬جيناتي‭ ‬العربية‭ ‬ضعيفة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لأنني‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬إثنية‭ ‬النوبة‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬شمال‭ ‬السودان،‭ ‬وجنوب‭ ‬مصر،‭ ‬وأعجمي‭ ‬اللسان‭ ‬لأن‭ ‬لغتي‭ ‬الأم‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬لأنني،‭ ‬وكما‭ ‬‮«‬ذبحتكم‮»‬‭ ‬مرارا‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬‮«‬مهووس‮»‬،‭ ‬بالوقت‭ ‬والمواعيد،‭ ‬يعني‭ ‬التزم‭ ‬بالمواعيد‭ ‬بدقة‭ ‬صارمة‭. ‬فإذا‭ ‬ضربت‭ ‬موعدا‭ ‬لأحد‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬‮«‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬المغرب‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬في‭ ‬عطلة‭ ‬العيد‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬يوم‭ ‬باكر‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬أحدد‭ ‬الوقت‭ ‬بالدقيقة،‭ ‬وأحرص‭ ‬على‭ ‬التقيد‭ ‬بالموعد‭ ‬الذي‭ ‬ضربته،‭ ‬وكثيرا‭ ‬ما‭ ‬قطعت‭ ‬أو‭ ‬جمدت‭ ‬علاقتي‭ ‬بآخرين‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يحترموا‭ ‬موعدا‭ ‬ضربوه‭ ‬لي،‭ ‬وكنت‭ ‬موضع‭ ‬شماتة‭ ‬أصدقائي‭ ‬لأنني‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬موعد‭ ‬زواجي،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الوقت‭ ‬بالساعة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لي‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ذنب،‭ ‬فمثل‭ ‬تلك‭ ‬المناسبات‭ ‬تتعرض‭ ‬لـ«الاختطاف‮»‬‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأهل،‭ ‬وأهلي‭ ‬تذرعوا‭ ‬بأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أملك‭ ‬سابق‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الزواج،‭ ‬وصاروا‭ ‬يملون‭ ‬علي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يتعلق‭ ‬بزواجي‭ (‬بيني‭ ‬وبينكم‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭- ‬وبعد‭ ‬زواج‭ ‬اسفر‭ ‬عن‭ ‬اربعة‭ ‬عيال‭ - ‬انني‭ ‬أملك‭ ‬خبرة‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الزواج‭). ‬وبسبب‭ ‬حرصي‭ ‬على‭ ‬المواعيد‭ ‬فقد‭ ‬ظللت‭ ‬حريصا‭ ‬على‭ ‬اقتناء‭ ‬الساعات‭ (‬الرخيصة‭ ‬طبعا‭)‬،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حائط‭ ‬في‭ ‬بيتي‭ ‬ساعة،‭ ‬وعلى‭ ‬رأس‭ ‬كل‭ ‬سرير‭ ‬مُنبِّه،‭ ‬كما‭ ‬علمت‭ ‬عيالي‭ ‬ضبط‭ ‬أمورهم‭ ‬بالمنبه‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬الهواتف‭. ‬وكان‭ ‬لي‭ ‬ولد‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬ويتطلب‭ ‬منه‭ ‬السفر‭ ‬إليها‭ ‬ومنها‭ ‬الطيران‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬ساعة،‭ ‬يتوقف‭ ‬خلالها‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬آسيوية‭ ‬لنحو‭ ‬تسع‭ ‬ساعات،‭ ‬وذات‭ ‬مرة‭ ‬حطت‭ ‬به‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬سنغافورة،‭ ‬وكان‭ ‬مقررا‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬هناك‭ ‬لبضع‭ ‬ساعات‭ ‬يستقل‭ ‬بعدها‭ ‬طائرة‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الكويتية‭ ‬الى‭ ‬الخليج،‭ ‬فاستأجر‭ ‬غرفة‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬وضبط‭ ‬المنبه‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تفوته‭ ‬الطائرة،‭ ‬ونام‭.. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬المنبه‭ ‬رن‭ ‬حتى‭ ‬تقطعت‭ ‬انفاسه‭ ‬وجفت‭ ‬بطاريته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستيقظ‭ ‬صاحبنا‭.. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬شبع‭ ‬نوما‭ ‬نظر‭ ‬إلى‭ ‬ساعته‭ ‬وأدرك‭ ‬أن‭ ‬الطائرة‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الإقلاع‭ ‬فاندفع‭ ‬إلى‭ ‬بوابة‭ ‬الخروج،‭ ‬ولكن‭ ‬الحارس‭ ‬منعه‭ ‬وأبلغه‭ ‬أن‭ ‬باب‭ ‬الطائرة‭ ‬قد‭ ‬أغلق،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نادوا‭ ‬على‭ ‬اسمه‭ ‬عبر‭ ‬مكبرات‭ ‬الصوت‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭.. ‬فرطن‭ ‬ولدي‭ ‬بالإنجليزية‭ ‬وبرطم‭ ‬بالصينية‭ ‬ولكن‭ ‬الحارس‭ ‬قال‭ ‬له‭: ‬مي‭ ‬بنق‭ ‬دي‭ ‬تون‭ ‬ما‭ ‬ني‭ ‬هو‭ ‬سا‭ (‬ومعناها‭ ‬‮«‬حِل‭ ‬عن‭ ‬سمائي‮»‬‭.. ‬والله‭ ‬أعلم‭)‬،‭ ‬فبدأ‭ ‬الولد‭ ‬يسب‭ ‬ويسخط‭ ‬بالعربية‭: ‬يا‭ ‬أغبياء‭... ‬يا‭ ‬بجم‭.. ‬يا‭ ‬سجم‭ ‬يا‭ ‬عجم‭.. ‬لو‭ ‬فاتتني‭ ‬هذه‭ ‬الرحلة‭ ‬فسأظل‭ ‬مقيما‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬أسبوعا‭ ‬كاملا‭ ‬وأطالع‭ ‬وجوهكم‭ ‬التعيسة‭!! ‬فتقدم‭ ‬نحوه‭ ‬شاب‭ ‬وسأله‭ ‬بالعربية‭ ‬عما‭ ‬به‭ ‬فشرح‭ ‬امر‭ ‬النوم‭ ‬والطائرة‭ ‬فسأله‭ ‬الرجل‭: ‬الأخ‭ ‬سوداني؟‭ ‬فقال‭: ‬نعم،‭ ‬فضحك‭ ‬الرجل‭ ‬قائلا‭: ‬وتزعلون‭ ‬لما‭ ‬يقولوا‭ ‬عليكم‭ ‬كسلانين؟‭.. ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬مندوب‭ ‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الكويتية‭ ‬في‭ ‬المطار،‭ ‬وهرع‭ ‬بولدي‭ ‬إلى‭ ‬الطائرة‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬امتلأت‭ ‬فأجلسه‭ ‬في‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ (‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬النوم‭ ‬والكسل‭ ‬يعودان‭ ‬بالفائدة‭).‬

طالبة‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬ماساشوستس‭ ‬الأمريكي‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬اخترعت‭ ‬منبها‭ (‬ساعة‭ ‬تنبيه‭) ‬يمشي‭: ‬يرن‭ ‬فتضربه‭ ‬ليسكت‭ ‬فيسقط‭ ‬أرضا‭ ‬ويسير‭ ‬بعيدا‭ ‬عنك‭ ‬وهو‭ ‬يرن‭.. ‬ويزن‭ ‬ويطن‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬مطاردته‭ ‬والقبض‭ ‬عليه‭ ‬وإسكاته‭ ‬وتكون‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬استيقظت‭.. ‬اختراع‭ ‬مدهش‭ ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬تشتري‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬الآلاف‭ ‬منه‭ ‬ليرن‭ ‬ويرن‭ ‬ليوقظ‭ ‬الحكومات‭ ‬والشعوب‭ ‬لتدرك‭ ‬أنها‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬البخار‭ ‬فتتبخر‭ ‬منها‭ ‬العنطزة‭ ‬والفشخرة‭ ‬الكاذبة‭ ‬وتعمل‭ ‬على‭ ‬اللحاق‭ ‬بركب‭ ‬الحضارة‭ ‬والعلم‭.. ‬وكتجربة‭ ‬دعونا‭ ‬نزود‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بواحدة‭ ‬منها‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬تستيقظ‭ ‬وترى‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والآسيان‭. ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬نجحت‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬اللحاق‭ ‬بالفيفا‭ (‬الاتحاد‭ ‬الدولي‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭) ‬لكان‭ ‬ذلك‭ ‬إنجازا‭ ‬وإعجازاً‭.‬

MENAFN02092025000055011008ID1110008767

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.