الشرق الأوسط الجديد.. بعض موجبات الحذر
أيضاً لا يهتدي بمعايير الاستقامة الحقوقية، من يتحرى إحلال نظام للأمن والتعاون والسلام المستدام، في إقليم ترفع إحدى دوله راية العصيان ضد القوانين والشرائع والسنن والقرارات التي توافقت عليها الأمم المتحضرة، وكابدت مطولاً في إنشاء أطر مؤسسية تسهر على تطبيقها كالأمم المتحدة ومنظماتها الفرعية، مثلما تفعل إسرائيل في الشرق الأوسط.
واهم من يرغب في إشاعة أو بث الاطمئنان في أعطاف إقليم تجتهد إحدى دوله في الاستئثار بعناصر أو محددات قوة تكفي لردع بقية الشركاء الإقليميين، وإحداث خلل في توازن القوى معهم، فرادى أو مجتمعين لصالحها على غرار استحواذ إسرائيل لمشروع نووي سلمي وعسكري بالغ التقدم لا يخضع لأي رقابة دولية، دون سائر كيانات الشرق الأوسط بصورتيه القديمة أوالجديدة التي يجري تسويقها نظرياً ويراد إنفاذها واقعياً.
ولا يقل عن ذلك إيغالاً في اللاواقعية من يتصور أو يستسهل إنشاء مصفوفة للتفاعل الخلاق، في مجال إقليمي تتبنى إحدى دوله منظومة ثقافية أيديولوجية استعلائية تحكمها قوى حزبية بالغة التطرف تنام ويدها على الزناد، ويعينها على ذلك قوم آخرون يقفون على قمة هرم النظام الدولي مثلما هو حال إسرائيل ومكانتها المرجوة في الشرق الأوسط القديم أوالجديد.
هذه التنبيهات بمثابة غيض من فيض الحقائق والمحاذير، المنظورة وغير المنظورة التي يحاول دعاة الشرق الأوسط الجديد إغفالها والالتفاف عليها.
ومن يتأمل ملياً في محتوى هذه الدعوة يجد أن المتحمسين لها والذين يتداولون حولها، هم أنفسهم تقريباً الذين انبروا سراً وعلانية قبل مئة عام، لتصفيف الشرق الأوسط القديم.. هذه التجربة الإقليمية التي يرمونها الآن بكل نقيصة كونها المسؤولة عن توالد عدد لا حصر له من الفتن والأزمات والحروب في منطقة تتقاطع فيها مصالح الناس وتشغل موضع السرة من العالمين القديم والجديد.
يتجاهل أصحابنا هذه التجربة، وكيف أنه ما تم غالباً تكريس مفرداتها وتفصيلاتها الجيوغرافية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية إلا بالقوة، الأمر الذي أفضى باعترافهم إلى تصدعها وأيلولتها للفشل.
والمدهش أن هذه القراءة لم تصرفهم عن اتجاههم إلى تكرار التجربة، وغالباً بالأدوات ذاتها من الإجبار ولي الأعناق والإرادات.. وإن كان من حقيقة صارخة ولافتة فهي أن الأولى أفضت إلى قيام إسرائيل بعد تجزئة العالم العربي أو الشرق الأوسط بخريطة سايكس بيكو وتوابعها، فيما تضمر التجربة العتيدة الثانية تعميد هذه الدولة في مقعد القيادة والزعامة بلا منازع.
الشاهد في كل حال، أن الأمن والتعاون الإقليمي بشروطه الحميدة ومفهومه المستقيم، لا يكاد يجد له محلاً من الإعراب في الشرق الأوسط بمحمولاته ومكوناته المطروحة راهناً للنقاش والمعالجة.. وأم العلل في هذا التقدير، تنطلق من إمعان النظر في الانحرافات والأمراض والأورام الخبيثة والقيوح التي يراد قيام الشرق الأوسط الجديد بعد تنحيتها والقفز عليها والتغافل عنها بل وكنسها تحت السجاجيد.
ولا يدعو للتفاؤل إهمال دعوة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط الجديد للسوابق التاريخية المعتبرة، لا سيما تلك الموصولة بالجيران الأوروبيين في الشمال التي ما انبعثت تحت مسمى منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وما استوت على سوقها منذ عام 1975، إلا بعد تصفية مصادر الصراع والاصطكاك والتأزم الحدودي الجغرافي والأيديولوجي السياسي والمصلحي الاقتصادي التي سادت من قبل وأدت إلى اندلاع الحربين العالميتين الشهيرتين.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment