"مليحة".. أعجوبة تاريخية وأثرية عريقة

(MENAFN- Al-Bayan) في الصحراء الواسعة على امتداد المنطقة الوسطى بإمارة الشارقة، وسط الكثبان الرملية الذهبية، والتلال الوعرة ذات الصخور الجيرية، تروي ((مليحة)) حكاية لا يمكن لأي منطقة أخرى في العالم روايتها، حكاية لا تكتفي بتوثيق الزمان والمكان فقط، بل تروي قصة كل إنسان، وتعيد ((مليحة)) من خلالها كتابة تاريخ رحلة البشرية.

قبل ازدهار حضارات بلاد ما بين النهرين، وقبل بناء أهرامات مصر القديمة، هاجر البشر الأوائل خارج قارة أفريقيا، إلى المنطقة التي أصبحت اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة، وسكنوا منطقة ((مليحة))، حيث صنعوا أدواتهم من حجارة الصّوّان، وبنوا مدافنهم، وراقبوا النجوم الممتدة، ولعل ذات الأسئلة التي نطرحها اليوم على أنفسنا، جالت في أذهانهم قبل آلاف السنين. وهذه هي الآثار التي تركوها وراءهم، والتي تشمل المصنوعات اليدوية والقطع الأثرية والحصون والمدافن والقطع النقدية، تسهم في تعريفنا على ماضينا، مثبتة أن شبه الجزيرة العربية لم تكن مجرد محطة مؤقتة على تقاطع طرق العالم، وإنما مهداً للحضارة البشرية.

لا تشكل هذه الرؤى فرضيات وأمنيات، بل حقائق واقعية مثبتة بالدليل العلمي، إذ تم العثور على أدوات حجرية تعود إلى أكثر من 125 ألف عام، في موقع ((جبل الفاية))، وتتجلى أهمية الموقع، بإضافته إلى قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ((اليونيسكو))، حيث لا يستبعد علماء الآثار أن تكون ((مليحة)) إحدى أقدم نقاط هجرة البشر الأوائل خارج أفريقيا.

ومع أهميتها التاريخية والأثرية والأكاديمية، تشكّل ((مليحة)) أعجوبة حديثة، إذ تعد جزءاً من مشروع تطوير ضخم، نفذته هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، وتتضمن ((منتزه مليحة الوطني))، الذي تم إنشاؤه حديثاً، ويجمع بين الحفاظ على التراث، والسياحة المسؤولة، حيث يهدف إلى حماية الثروة الأثرية الاستثنائية للمنطقة، ورواية حكايتها للعلماء والباحثين والطلبة والسياح والمسافرين، وللعالم بأسره.

إن زيارة ((مليحة)) ليست مجرد نزهة بين الآثار، بل تفاعل مع التجربة البشرية، إذ يحتضن ((مركز مليحة للآثار)) قطعاً أثرية، يعود تاريخها إلى أكثر من 130 ألف عام، وتشمل قطعاً فخارية، وسيوفاً من العصر الحجري القديم، ومجوهرات ارتدتها ملكات وأميرات ذاك الزمن، إلى جانب قالب لصك العملات المعدنية من حقبة الإسكندر المقدوني، وفي المناطق الخارجية، تنبض الصحراء بالمغامرات الشيقة، والطيران الشراعي فوق ((صخرة الأحفور))، مع ((مغامرات السماء))، والتحليق فوق تشكيلات جيولوجية وصخرية غنية بالأحافير البحرية، التي يبلغ عمرها 70 مليون عام، والتي تشكل بقايا من زمنٍ مُوغلٍ في القِدَم، كانت فيه هذه الصحراء قاعاً لأحد المحيطات القديمة.

وإدراكاً لأهمية منطقة مليحة، والتزاماً بحمايتها والحفاظ عليها، اتخذت الشارقة تدابير شاملة، بالتعاون مع ((هيئة البيئة والمحميات الطبيعية))، قيّدت من خلالها وصول الزوار إلى المناطق المحمية، التي شهدت عودة الحياة البرية النباتية والحيوانية الأصيلة تدريجياً، مشكّلة شهادة حية، تثبت إمكانية الجمع بين الطبيعة والسياحة، عند تبنّي ممارسات مسؤولة بيئياً.

هذا التوازن الدقيق بين التطوير والحفاظ على البيئة ليس عرضياً، ولم يتكوّن بالمصادفة، وإنما هو انعكاس لاستراتيجية الشارقة التي تؤمن بتكامل الثقافة والتعليم والاستدامة والهوية، ولهذا أصبح ((منتزه مليحة الوطني)) متحفاً حياً، ووجهة لمحبي مراقبة النجوم، وحلماً يسعى إليه الجيولوجيون، وأفقاً يستمتع المتنزهون على امتداده، وربما قبل كل شيء: دعوة للاستكشاف والمغامرة.

MENAFN13052025000110011019ID1109545516

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.