كنوزنا الاثرية (2) .. هل يكون الذكاء الاصطناعي هو الحل؟
عندما يزور السائح موقعًا أثريًا، فإنه لا يبحث فقط عن الأحجار والصروح القديمة، بل يسعى إلى تجربة متكاملة تأخذه في رحلة عبر الزمن، وتجعله يشعر وكأنه يعيش تفاصيل الحضارات السابقة. ولعل العديد من المواقع الأثرية التي تعاني من نقص في الخدمات الأساسية وضعف التفاعل مع الزائر، تعاني ايضاً من نقص في اعداد الزوار من جهة، اما بالنسبة للزائر فهذا يجعل التجربة محدودة وغير محفزة.
في ظل هذا الواقع، أصبح إشراك القطاع الخاص والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وخاصة الذكاء الاصطناعي (AI)، جزءًا أساسيًا من تطوير المواقع الأثرية. فلم يعد التطوير يقتصر على توفير خدمات صحية أو ترفيهية بل أصبح يشمل استخدام التكنولوجيا لتقديم تجربة غامرة وتفاعلية، تجعل التاريخ ينبض بالحياة.
فأين تكمن المشكلة؟
رغم أهمية المواقع الأثرية، إلا أن الزوار كثيرًا ما يواجهون تحديات تؤثر على تجربتهم، مثل:
. ضعف الخدمات مثل نقص النظافة وعدم توفر مرافق أساسية.
. غياب الإرشاد التفاعلي، حيث يعتمد الزائر على مرشدين تقليديين أو لوحات قديمة قد لا تكون كافية لفهم القصة التاريخية.
. عدم توظيف التكنولوجيا الحديثة، مما يجعل المواقع الأثرية تبدو جامدة، بدلاً من أن تكون تجربة تعليمية تفاعلية.
إلا ان التطورات الحديثة في الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) تفتح آفاقًا جديدة اليوم لجعل زيارة المواقع الأثرية أكثر متعة وإثارة. ومن بين التقنيات التي يمكن توظيفها كما هو معمول في العديد من دول العالم التي التقطت التكنولوجيا الحديثة وطوّعتها لتعظيم الفائدة والمردود من مواقعها السياحية والأثرية ..من بين هذه الإجراءات ..
1. المرشد السياحي الذكي (AI-powered Guide)
. يمكن تطوير تطبيقات تعتمد على الذكاء الاصطناعي توفر مرشدًا سياحيًا افتراضيًا، يتفاعل مع الزائر عبر الصوت والصورة، ويقدم معلومات تفصيلية بناءً على موقعه داخل الموقع الأثري.
. يمكن للزوار طرح الأسئلة والحصول على إجابات فورية عن المعالم التي يشاهدونها.
2. تقنيات الواقع المعزز (AR) لإعادة إحياء الماضي
. يمكن للزوار توجيه هواتفهم الذكية نحو موقع أثري معين، ليشاهدوا عبر الشاشة كيف كان يبدو هذا الموقع في الماضي، مع شخصيات افتراضية تروي القصة.
. مثال على ذلك، في مدينة بومبي الأثرية في إيطاليا، يمكن للزوار مشاهدة المنازل والشوارع كما كانت قبل آلاف السنين من خلال تطبيقات الواقع المعزز.
3. الواقع الافتراضي (VR) للسفر عبر الزمن
. يمكن توفير محطات VR داخل المواقع الأثرية، تسمح للزائر بالدخول في تجربة افتراضية متكاملة تعيد بناء الحضارات القديمة، مثل مشاهدة الحياة اليومية في مدينة البتراء أو متابعة بناء الأهرامات في مصر.
. هذا النوع من التكنولوجيا مستخدم بالفعل في متاحف عالمية مثل متحف اللوفر في فرنسا، حيث يمكن للزوار استكشاف المواقع الأثرية عن بُعد.
4. تحليل بيانات الزوار لتحسين الخدمات
. يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل حركة الزوار داخل الموقع، ومعرفة المناطق الأكثر جذبًا، وتحديد احتياجات التطوير بناءً على البيانات الفعلية.
. يمكن أيضًا استخدام هذه البيانات لتوجيه الاستثمارات الخاصة نحو الخدمات الأكثر طلبًا، مثل تخصيص المزيد من المطاعم أو تطوير وسائل النقل الداخلية.
هذه التجارب الناجحة عالميًا.. لماذا لا نستلهم منها في مواقعنا في دمج التكنولوجيا الحديثة في تطوير المواقع الأثرية.
وفقًا لدراسة أجرتها منظمة السياحة العالمية (UNWTO)، فإن 65% من السياح العالميين يبحثون عن تجارب سياحية تفاعلية تعتمد على التكنولوجيا، وليس مجرد زيارة المواقع التقليدية. كما أشار تقرير صادر عن اليونسكو إلى أن توظيف التقنيات الحديثة في المواقع التراثية يمكن أن يزيد عدد الزوار بنسبة 30-40% من خلال تقديم تجارب غامرة وجاذبة.
وقد نجحت هذه الرؤية في العديد من دول العالم المتقدم سياحيا مثل..
1. تجربة“الهرم الذكي” في مصر
ففي عام 2022، تم إطلاق مشروع“الهرم الذكي”، الذي يتيح للسياح استخدام تقنية الهولوغرام لمشاهدة إعادة بناء افتراضي لهرم خوفو وممراته الداخلية. هذا المشروع زاد من نسبة تفاعل الزوار مع الموقع بنسبة 50%، وجذب فئات جديدة من السياح، خاصة الشباب.
2. مشروع“روما الافتراضية” في إيطاليا
في مدينة روما، تم دمج تقنيات الواقع الافتراضي (VR) داخل موقع الكولوسيوم، حيث يمكن للزوار ارتداء نظارات VR لمشاهدة معارك المصارعين وكأنهم جزء من الجمهور قبل ألفي عام. هذا المشروع رفع مستوى رضا الزوار بنسبة 85%، وزاد مدة زيارتهم للموقع بنسبة 25%.
3. “البتراء الرقمية” – الأردن
في الأردن، بدأ مشروع“البتراء الرقمية” الذي يعتمد على تطبيقات الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز (AR) لإعادة إحياء معالم البتراء كما كانت في العصر النبطي. يمكن للزوار الآن مشاهدة“الخزنة” كما كانت في الماضي، ومشاهدة الأسواق والقصور بفضل تقنية AR ولكن يحتاج إلى تطوير أكثر من النسخة الحالية.
ونسأل مجدداً كيف يمكن للقطاع الخاص أن يكون جزءًا من الحل؟
ان توظيف التكنولوجيا في المواقع الأثرية يحتاج إلى استثمارات مستدامة، وهنا يأتي دور القطاع الخاص، الذي يمكن أن يساهم في:
. تمويل مشاريع التكنولوجيا الحديثة مقابل عقود تشغيل تضمن استرداد التكلفة من خلال رسوم معقولة على الخدمات الذكية.
. إدارة وتشغيل الخدمات السياحية مثل المطاعم، متاجر الهدايا، وتجارب الواقع الافتراضي، مع الحفاظ على جودة الخدمة.
. تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالشراكة مع الجامعات والمؤسسات البحثية، لإنشاء حلول مبتكرة تخدم السياحة الثقافية.
ويمكن للأردن أن يكون رائدًا في هذا المجال من خلال ..
. إطلاق تطبيق وطني للواقع المعزز يشمل جميع المواقع الأثرية الأردنية، بحيث يتمكن السياح من تحميله والحصول على تجربة تفاعلية في كل موقع.
. تطبيق أنظمة تذاكر ذكية تعتمد على QR Codes لتنظيم الدخول وتقديم معلومات فورية عن الموقع.
. إنشاء“مركز ابتكار سياحي” بالتعاون مع الجامعات الأردنية، ليكون حاضنة للأفكار الجديدة في مجال السياحة الذكية.
ان المواقع الأثرية ليست مجرد حجارة صامتة، بل هي قصص تنتظر أن تُروى بطريقة حديثة. ومع التطور التكنولوجي السريع، أصبح بإمكاننا تحويل هذه المواقع إلى مراكز تفاعلية نابضة بالحياة، حيث يمكن للزائر أن يسمع ويرى ويشعر بالتاريخ كما لو كان يعيش فيه.
لكن هذا التطوير يحتاج إلى رؤية واضحة وشراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، لضمان استدامة هذه المشاريع واستمرار تحسين تجربة الزوار. عندها فقط، ستتحول المواقع الأثرية إلى وجهات سياحية عالمية لا تُنسى، تجمع بين عبق الماضي وحداثة المستقبل.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
سعر برميل النفط الكويتي يرتفع ليبلغ 78 45 دولار
الأمير يشمل برعايته وحضوره غدا حفل تخرج دفعة الطلبة الضباط الـ50 بكلية علي الصباح العسكرية
لا تشريعات ناظمة لإدارة مخلفات البناء والهدم
جنرال إسرائيلي: نواجه تهديدا وجوديا وحماس لن تستسلم
وزير الدفاع الإسرائيلي يبدأ بتحقيق تغيير كبير في السياسة