![](https://menafn.com//includes/img/error-logo-left.png)
403
Sorry!!
Error! We're sorry, but the page you were looking for doesn't exist.
التدخلات العائلية وأثرها على ضعف الثقافة الحزبية في المجتمع
(MENAFN- Alghad Newspaper)
د. هاني الضمور
في الوقت الذي يُفترض أن يكون فيه العمل الحزبي أساسًا للديمقراطية وبوابة للتغيير السياسي الحقيقي، نجد أن الأحزاب في الأردن تعيش حالة من التخبط والتصدع، وكأنها بنيانٌ هش لا يقوى على الصمود أمام أول اختبار. لم تعد المشكلة مقتصرة على غياب الرؤية الواضحة لهذه الأحزاب، أو على ضعف بنيتها التنظيمية، بل امتدت لتشمل انسحابات جماعية واستقالات متلاحقة، تُظهر أن الكثير من هذه الكيانات لم تكن سوى مشاريع مؤقتة، تُستخدم للوصول إلى أهداف شخصية، لا لبناء نهج سياسي مستدام. كيف يمكن لأحزابٍ لم تصمد عامًا واحدًا، أن تقنع المجتمع بأنها قادرة على قيادة المستقبل؟ كيف يمكن إقناع الشباب بالانخراط في تجربة يبدو أن قادتها أنفسهم لا يؤمنون بها؟
قبل أن تصل هذه الأسئلة إلى أروقة الأحزاب والبرلمان، تجدها مطروحة داخل كل بيتٍ أردني، حيث ما تزال العائلات تمارس رقابتها الصارمة على الطموح السياسي لأبنائها. لم يعد الأمر مجرد توجيه أو نصح، بل بات أشبه بمحكمةٍ داخلية تحكم مسبقًا على أي محاولةٍ للانخراط الحزبي بأنها مقامرة غير محسوبة العواقب. هذا الحذر العائلي ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج سنواتٍ طويلة من التوجس، زرعته تجارب الماضي التي جعلت السياسة تبدو وكأنها طريق محفوف بالمخاطر، أكثر منها ساحةً للتعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرار.
العائلات التي تحذر أبناءها من الدخول إلى عالم السياسة تفعل ذلك بحسن نية، لكنها لا تدرك أنها بذلك تساهم في إطالة عمر أزمة الحياة الحزبية. كيف يمكن لحياة سياسية أن تتطور، بينما الجيل الجديد يُمنع حتى من التفكير في الانضمام إلى الأحزاب؟ كيف يمكن لأحزاب أن تكتسب شرعيتها إذا كان المجتمع نفسه ينظر إليها كخطرٍ يجب تجنبه؟ العائلة، التي يُفترض أن تكون الداعم الأول لطموحات أبنائها، تحولت في كثير من الأحيان إلى قيدٍ يكبل رغبتهم في المشاركة، وكأن الانضمام إلى حزب هو قرارٌ مصيري لا يختلف عن الهجرة أو تغيير المسار المهني.
وإذا كان الماضي قد أسس لهذه المخاوف، فإن الحاضر لم يفعل الكثير لتبديدها. فحين يرى الشباب أن بعض قيادات الأحزاب التي كانت ترفع شعارات الإصلاح والشفافية قد انتقلت سريعًا إلى مناصب حكومية، وحين يشاهدون استقالات بالجملة في أحزاب لم تكمل عامًا على تأسيسها، يصبح من الطبيعي أن يتساءلوا: هل هذه الأحزاب تعمل حقًا من أجل التغيير، أم أنها مجرد منصاتٍ مؤقتة تُستخدم للوصول إلى السلطة؟ كيف يمكن لعائلة أن تشجع أبناءها على الانضمام إلى حزب، وهي ترى أن قياداته تتساقط واحدًا تلو الآخر، وأن الخلافات الداخلية أقوى من أي مشروع وطني؟ كيف يمكن للمجتمع أن يثق بالأحزاب، بينما المشهد الحزبي نفسه يرسل إشارات واضحة بأنه ما يزال في مرحلة الفوضى؟
لقد بات واضحًا أن كثيرًا من الأحزاب لم تكن سوى محطات عبور، وأن العمل الحزبي لم يتحول بعد إلى ثقافة سياسية راسخة. فحين يصبح الانضمام إلى الأحزاب مرتبطًا بمصالح آنية، وحين يكون الطريق من الحزب إلى المنصب الحكومي أقصر من الطريق إلى التغيير الحقيقي، فإن فقدان الثقة يصبح أمرًا حتميًا. هذه الأزمة ليست مشكلة قانونية فقط، بل هي مشكلة ثقافية واجتماعية، تمتد جذورها إلى طريقة تفكير المجتمع نفسه تجاه السياسة. ما لم يتم تصحيح هذا الخلل، سيظل العمل الحزبي مجرد تجربة عابرة، تتكرر مع كل انتخابات، ثم تنهار عند أول مواجهة حقيقية.
المفارقة أن العائلات التي تخشى على أبنائها من السياسة، لم تفعل ذلك من فراغ. فهي ترى بأعينها كيف أن الانتماء الحزبي لم يعد وسيلةً للتأثير في القرار، بقدر ما أصبح بوابة للانتقال إلى السلطة أو الخروج منها. لم تعد المشكلة في وجود الأحزاب من عدمها، بل في حقيقة أن هذه الأحزاب لم تنجح في بناء نفسها ككيانات مستقرة قادرة على الصمود. المجتمع الذي يريد حياة حزبية حقيقية، يجب أن يبدأ أولًا ببناء ثقافةٍ سياسية جديدة، تجعل من الانخراط الحزبي خيارًا واعيًا، لا مجرد مغامرة يخشاها الأهل ويحذرون أبناءهم منها.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط تشجيع الشباب على الانضمام إلى الأحزاب، بل إعادة تعريف معنى الحزبية نفسها. الأحزاب ليست مجرد شعارات انتخابية، وليست مجرد بواباتٍ للمناصب، بل هي أدواتٌ حقيقية للإصلاح. إذا لم تثبت الأحزاب أنها قادرة على الاستمرار، وإذا لم تتمكن من بناء هياكل تنظيمية قادرة على الصمود، فإن المشكلة لن تكون في الشباب الذين يرفضون الانضمام إليها، بل في هذه الأحزاب نفسها، التي لم تقدم ما يكفي لإقناع المجتمع بأنها تستحق أن تكون جزءًا من مستقبله السياسي.
على العائلات أن تدرك أن السياسة ليست خطرًا، بل هي حق ومسؤولية، وعلى الأحزاب أن تدرك أن الثقة لا تُمنح، بل تُكتسب. وبين هذا وذاك، يقف الشباب في المنتصف، يبحثون عن تجربة سياسية تستحق أن يخوضوها، لا تجربة محكومة بالفشل قبل أن تبدأ. اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، نحتاج إلى إعادة النظر في هذه العلاقة المعقدة بين المجتمع والعمل الحزبي، لأن الديمقراطية الحقيقية لا تُبنى بالخوف، بل بالشجاعة على المشاركة، والإصرار على أن يكون لكل فردٍ صوتٌ في رسم مستقبل وطنه.
د. هاني الضمور
في الوقت الذي يُفترض أن يكون فيه العمل الحزبي أساسًا للديمقراطية وبوابة للتغيير السياسي الحقيقي، نجد أن الأحزاب في الأردن تعيش حالة من التخبط والتصدع، وكأنها بنيانٌ هش لا يقوى على الصمود أمام أول اختبار. لم تعد المشكلة مقتصرة على غياب الرؤية الواضحة لهذه الأحزاب، أو على ضعف بنيتها التنظيمية، بل امتدت لتشمل انسحابات جماعية واستقالات متلاحقة، تُظهر أن الكثير من هذه الكيانات لم تكن سوى مشاريع مؤقتة، تُستخدم للوصول إلى أهداف شخصية، لا لبناء نهج سياسي مستدام. كيف يمكن لأحزابٍ لم تصمد عامًا واحدًا، أن تقنع المجتمع بأنها قادرة على قيادة المستقبل؟ كيف يمكن إقناع الشباب بالانخراط في تجربة يبدو أن قادتها أنفسهم لا يؤمنون بها؟
قبل أن تصل هذه الأسئلة إلى أروقة الأحزاب والبرلمان، تجدها مطروحة داخل كل بيتٍ أردني، حيث ما تزال العائلات تمارس رقابتها الصارمة على الطموح السياسي لأبنائها. لم يعد الأمر مجرد توجيه أو نصح، بل بات أشبه بمحكمةٍ داخلية تحكم مسبقًا على أي محاولةٍ للانخراط الحزبي بأنها مقامرة غير محسوبة العواقب. هذا الحذر العائلي ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج سنواتٍ طويلة من التوجس، زرعته تجارب الماضي التي جعلت السياسة تبدو وكأنها طريق محفوف بالمخاطر، أكثر منها ساحةً للتعبير عن الرأي والمشاركة في صنع القرار.
العائلات التي تحذر أبناءها من الدخول إلى عالم السياسة تفعل ذلك بحسن نية، لكنها لا تدرك أنها بذلك تساهم في إطالة عمر أزمة الحياة الحزبية. كيف يمكن لحياة سياسية أن تتطور، بينما الجيل الجديد يُمنع حتى من التفكير في الانضمام إلى الأحزاب؟ كيف يمكن لأحزاب أن تكتسب شرعيتها إذا كان المجتمع نفسه ينظر إليها كخطرٍ يجب تجنبه؟ العائلة، التي يُفترض أن تكون الداعم الأول لطموحات أبنائها، تحولت في كثير من الأحيان إلى قيدٍ يكبل رغبتهم في المشاركة، وكأن الانضمام إلى حزب هو قرارٌ مصيري لا يختلف عن الهجرة أو تغيير المسار المهني.
وإذا كان الماضي قد أسس لهذه المخاوف، فإن الحاضر لم يفعل الكثير لتبديدها. فحين يرى الشباب أن بعض قيادات الأحزاب التي كانت ترفع شعارات الإصلاح والشفافية قد انتقلت سريعًا إلى مناصب حكومية، وحين يشاهدون استقالات بالجملة في أحزاب لم تكمل عامًا على تأسيسها، يصبح من الطبيعي أن يتساءلوا: هل هذه الأحزاب تعمل حقًا من أجل التغيير، أم أنها مجرد منصاتٍ مؤقتة تُستخدم للوصول إلى السلطة؟ كيف يمكن لعائلة أن تشجع أبناءها على الانضمام إلى حزب، وهي ترى أن قياداته تتساقط واحدًا تلو الآخر، وأن الخلافات الداخلية أقوى من أي مشروع وطني؟ كيف يمكن للمجتمع أن يثق بالأحزاب، بينما المشهد الحزبي نفسه يرسل إشارات واضحة بأنه ما يزال في مرحلة الفوضى؟
لقد بات واضحًا أن كثيرًا من الأحزاب لم تكن سوى محطات عبور، وأن العمل الحزبي لم يتحول بعد إلى ثقافة سياسية راسخة. فحين يصبح الانضمام إلى الأحزاب مرتبطًا بمصالح آنية، وحين يكون الطريق من الحزب إلى المنصب الحكومي أقصر من الطريق إلى التغيير الحقيقي، فإن فقدان الثقة يصبح أمرًا حتميًا. هذه الأزمة ليست مشكلة قانونية فقط، بل هي مشكلة ثقافية واجتماعية، تمتد جذورها إلى طريقة تفكير المجتمع نفسه تجاه السياسة. ما لم يتم تصحيح هذا الخلل، سيظل العمل الحزبي مجرد تجربة عابرة، تتكرر مع كل انتخابات، ثم تنهار عند أول مواجهة حقيقية.
المفارقة أن العائلات التي تخشى على أبنائها من السياسة، لم تفعل ذلك من فراغ. فهي ترى بأعينها كيف أن الانتماء الحزبي لم يعد وسيلةً للتأثير في القرار، بقدر ما أصبح بوابة للانتقال إلى السلطة أو الخروج منها. لم تعد المشكلة في وجود الأحزاب من عدمها، بل في حقيقة أن هذه الأحزاب لم تنجح في بناء نفسها ككيانات مستقرة قادرة على الصمود. المجتمع الذي يريد حياة حزبية حقيقية، يجب أن يبدأ أولًا ببناء ثقافةٍ سياسية جديدة، تجعل من الانخراط الحزبي خيارًا واعيًا، لا مجرد مغامرة يخشاها الأهل ويحذرون أبناءهم منها.
ما نحتاجه اليوم ليس فقط تشجيع الشباب على الانضمام إلى الأحزاب، بل إعادة تعريف معنى الحزبية نفسها. الأحزاب ليست مجرد شعارات انتخابية، وليست مجرد بواباتٍ للمناصب، بل هي أدواتٌ حقيقية للإصلاح. إذا لم تثبت الأحزاب أنها قادرة على الاستمرار، وإذا لم تتمكن من بناء هياكل تنظيمية قادرة على الصمود، فإن المشكلة لن تكون في الشباب الذين يرفضون الانضمام إليها، بل في هذه الأحزاب نفسها، التي لم تقدم ما يكفي لإقناع المجتمع بأنها تستحق أن تكون جزءًا من مستقبله السياسي.
على العائلات أن تدرك أن السياسة ليست خطرًا، بل هي حق ومسؤولية، وعلى الأحزاب أن تدرك أن الثقة لا تُمنح، بل تُكتسب. وبين هذا وذاك، يقف الشباب في المنتصف، يبحثون عن تجربة سياسية تستحق أن يخوضوها، لا تجربة محكومة بالفشل قبل أن تبدأ. اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، نحتاج إلى إعادة النظر في هذه العلاقة المعقدة بين المجتمع والعمل الحزبي، لأن الديمقراطية الحقيقية لا تُبنى بالخوف، بل بالشجاعة على المشاركة، والإصرار على أن يكون لكل فردٍ صوتٌ في رسم مستقبل وطنه.
![](https://menafn.com/updates/provider/AlghadNewspaper.jpg)
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
سعر برميل النفط الكويتي يرتفع ليبلغ 78 45 دولار
الأمير يشمل برعايته وحضوره غدا حفل تخرج دفعة الطلبة الضباط الـ50 بكلية علي الصباح العسكرية
لا تشريعات ناظمة لإدارة مخلفات البناء والهدم
جنرال إسرائيلي: نواجه تهديدا وجوديا وحماس لن تستسلم
وزير الدفاع الإسرائيلي يبدأ بتحقيق تغيير كبير في السياسة