
لماذا تخليت عن محاولة حذف نفسي من الإنترنت
أفانتيكا تشيلكوتي* - (مجلة 1843) 8/11/2024
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
سرعان ما تحولت رحلة ممتعة في حارة الذاكرة إلى وظيفة مملة بدوام كامل.
* * *
يتذكر "فيسبوك" أشياء عني كنتُ قد مسحتها من ذاكرتي منذ وقت طويل. منذ انضمامي إلى المنصة في العام 2006، تمت دعوتي إلى 1.920 حدثاً، بما في ذلك حفلة عيد الميلاد الخامس لـ"موفيدا"، وهو ملهى ليلي في لندن لم يعد له وجود منذ فترة طويلة؛ وحفل مشروبات خفيفة بمناسبة بدء عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ ومؤتمر نباتي (لم أكن نباتية في أي وقت على الإطلاق). كما يسجل "فيسبوك" عضويتي في مجموعة محيرة من المجموعات، بما في ذلك واحدة لـ"أتباع راشتريا سوايامسيفاك سانغ"، وهي منظمة شبه عسكرية هندوسية قومية، وأخرى للأشخاص الذين نشأوا في هنتنغتون، فيرجينيا الغربية، التي كانت ذات يوم "المدينة الأكثر بدانة في أميركا" (أنا لست هندوسية قومية ولا أميركية ولا بدينة).
لم أكن أتصفح وسائل التواصل الاجتماعي لأتذكر خروجي في ليالي المراهقة، أو مغامراتي الأخيرة كمراسلة صحفية أجنبية. بدلاً من ذلك، كنت عاكفة على مهمة حذف نفسي من الإنترنت. وكانت أسبابي عملية وليست أيديولوجية؛ كنت على وشك استضافة "بودكاست" عن رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي. ولا شك في أن أي صحفي يخوض في نقاش حول أجندة مودي للنمو المرتفع أو التعليقات المعادية للإسلام يخاطر بأن يصبح هدفاً للإساءة عبر "الإنترنت".
وخاصة إذا كانت امرأة. يقدِّر الاتحاد الدولي للصحفيين، وهو نقابة مهنية، أن ما يقرب من ثلثي الصحفيات تعرضن للإساءة عبر الإنترنت. ولا شك في أن هذه النسبة أعلى في جنوب آسيا: فقد تم استهداف العديد من الزميلات من قبل المتصيدين، الذين ينشرون عناوين منازلهن ويرسلون لهن تهديدات بالقتل. وأخبرتني صحفية استقصائية هندية أن شخصاً ما قام بتركيب وجهها على جسد امرأة في مقطع فيديو إباحي قبل أن يقوم بنشره على الإنترنت. وبدا لي أن إزالة أكبر قدر ممكن من معلوماتي الشخصية سيكون عملاً حكيماً.
بصفتي صحفية، أعرف مدى سهولة العثور على أشياء عن الأشخاص على شبكة الإنترنت. في أحد الأيام كنت أبحث لكتابة مقال عن الرئيس التنفيذي المعين حديثاً لشركة مدرجة في بورصة "ناسداك". وفي إطار البحث، راسلتُ الأشخاص الذين كتبوا موافقات على صفحته على موقع "لينكد-إن" LinkedIn لأسأل عن نوع المدير الذي كانه. كما أن الملفات الشخصية العامة على "فينمو" Venmo؛ تطبيق المدفوعات من نظير إلى نظير، هي منجم ذهب أيضاً. عندما يقوم الشخص بتحويل الأموال إلى صديق، غالباً ما يضيف الناس رسالة أو سلسلة من الرموز التعبيرية (إيموجي). ومن خلال فك رموز تاريخ معاملات الرجل، عرفتُ مع من كان يعيش، وكيف يقضي عطلته، ومع مَن يخرج لتناول وجبات الطعام، وحتى الشخص الذي يشتري العقاقير منه (كان إما ذلك أو طلباً انتقائياً للأدوية، والحلويات، والماس).
كان ينبغي أن تجعلني هذه التجارب أكثر حذراً بشأن ما أفصحت عنه عن نفسي على الإنترنت. لكنها لم تفعل. سلمت اسمي وعنوان بريدي الإلكتروني أكثر من مرة لتسجيل الدخول إلى تطبيق الاتصال بشبكة الإنترنت في الأماكن العامة، "AddisFreeWifi123" عند التوقف في إثيوبيا؛ واتصلت بوالدتي لإعلامها بأنني وصلت بأمان؛ وقمت بتسجيل الدخول إلى تطبيق مصرفي لتحويل العملات الأجنبية إلى حسابي في الخارج. وحتى قبل بضعة أشهر، لم أتحقق أبداً من إعدادات الخصوصية في حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي.
مع اقتراب إصدار البودكاست، شرعت في محاولة تقليل بصمتي الرقمية. كانت الخطوة الأولى هي معرفة ماذا كان هناك. وبالتفكير على طريقة المُطارد، وضعت متصفحي في وضع "خاص" وبحثت عن اسمي في "غوغل". كانت الصفحات القليلة الأولى من النتائج مليئة بالقصص التي كتبتها على مر السنين -معظمها قبل انضمامي إلى مجلة "الإيكونوميست"، والتي، بالطبع، ليست مصحوبة بسطر التعريف بالكاتب.
بعد ذلك قمت بتنزيل بياناتي الشخصية من "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام"، واستغرق الأمر أياماً وليس دقائق لإنجاز العمل، وهو ما وجدته مطمئناً، كما لو أن كل إنش من المواقع تم تمشيطه. أرسل لي "تويتر" عشرات المجلدات، تضمَّن أحدها كل صورة قمت بمشاركتها في أي وقت عن طريق رسالة مباشرة. (تضمنت هذه الصور العديد من صور بطاقات الصعود إلى الطائرات، وهو ما نبهني إلى مقدار الوقت الذي كنت أضيعه في خوض الشجارات مع شركات الطيران حول الرحلات المتأخرة).
كنت قلقة بشكل خاص بشأن عثور المتصيدين على صور لي، لذلك وضعت اسمي في "صور غوغل". وعرض محرك البحث فقط الصور التي كان اسمي مذكوراً فيها في النص المصاحب، مثل صورتي في دليل وسائل الإعلام في مجلة "الإيكونوميست". وخوفاً من وجود أخريات هناك، لجأت إلى تطبيق "بِم-آيز" PimEyes، وهو أداة للتعرف على الوجه مدعومة بالذكاء الاصطناعي. ودفعت 15 جنيهاً إسترلينياً (20 دولاراً) وحمَّلت صورة جواز سفري كدليل. وبحث "بِم-آيز" في الشبكة المفتوحة عن الصور المطابقة (لا يمكنه البحث في وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الفيديو حالياً).
بصق "بِم-آيز" 26 صورة. هنا كنتُ في حفل زفاف ابن عمي في العام 2014 -نشر المصورون الصور على موقعهم على الإنترنت. وهناك كنت في خلفية صورة لسيناتورة أميركية معروفة، بينما أدفع بمسجل صوت في وجهها وهي تمشي في أروقة الكابيتول هيل (قضيت صيف العام 2017 في إعداد التقارير السياسية من واشنطن العاصمة).
وكانت إحدى الصور لشخص آخر. كانت من موقع إخباري مكسيكي، وأظهرت امرأة ذات بشرة داكنة وشعر داكن تخطِّط لخطوتها التالية في بطولة شطرنج محلية. واتضح أن نماذج الذكاء الاصطناعي، المدربة إلى حد كبير على صور الرجال البيض، تناضل من أجل التمييز بين النساء السمراوات.
لأنني أعيش في بريطانيا، لدي سيطرة أكبر على بياناتي أكثر من معظم الآخرين. يُعتبر قانون "اللائحة العامة لحماية البيانات"، الذي طبقه الاتحاد الأوروبي في العام 2018، على نطاق واسع أشد قانون لخصوصية البيانات في العالم. إنه يملي أن يكون الناس قادرين على طلب نسخة من المعلومات المحفوظة عنهم، وطلب تصحيحها أو حذفها. وقد أبقت بريطانيا على هذه القواعد نافذة بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي. وأدخلَت بعض الولايات القضائية الأخرى، بما في ذلك ولاية كاليفورنيا الأميركية، قوانين مماثلة في السنوات الأخيرة.
في الممارسة العملية، ليست إزالة المعلومات من شبكة الإنترنت بالأمر السهل. على سبيل التجربة، اخترت صفحة ويب عشوائية عليها اسمي -مقالة كنتُ قد كتبتها، عندما كنت طالبة، لصحيفة في فلورنسا بإيطاليا- وملأت نموذجاً يطلب من "غوغل" إزالتها من عمليات البحث. واعترفت بأن المقالة ليست بذيئة ولا عنيفة، لكنها تضمنت بعض التفاصيل الشخصية حول المكان الذي ارتدته للدراسة الجامعية، والتخصص الذي درسته. وبعد ثلاثة أيام تمت الموافقة على طلبي، ولكن كان هناك عيب: يمكن لـ"غوغل" إزالة الرابط من عمليات البحث فقط في بريطانيا وأوروبا. ولمسح المقال تماماً، سوف أحتاج إلى الاتصال بالموقع نفسه.
فاجأني وأدهشني أن أي شخص يستطيع أن يُقحم صورة لي في "بِم-آيز". يقول الموقع إن أداته مخصصة للاستخدام الشخصي فقط، لكنّ من الصعب مراقبة هذا النوع من الأشياء. ولإزالة صوري من عمليات البحث في "بم-آيز" اضطررت إلى تسليم صورة، وعنوان بريد إلكتروني، ونسخة منقحة من جواز سفري (طمأنوني إلى أنهم لن يقوموا بتخزين أيٍّ من هذه المعلومات).
قررت عدم حذف حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب ليس أقلها أنها مفيدة لعمل التقارير الصحفية. بدلاً من ذلك، بدأت في حذف المشاركات التي كشفَت الكثير عني. في البداية، كان التصفح عبر تغذياتي عملية ممتعة ملؤها الحنين إلى الماضي. وقد استمتعت بالنظر إلى الصور من حفلات أعياد الميلاد، وحفلات توديع الصديقات قبل الزواج، وحفلات الزفاف، وحفلات استحمام الأطفال. وتعجبت من عدد الرجال الذين أعرفهم من الذين أكملوا سباق الماراثون الثلاثي بين لندن وباريس. ولكن، بحلول الوقت الذي وصلت فيه إلى العام 2020، نفدت قوتي. واتضح أن حذف نفسك من الإنترنت هو وظيفة مملة، بدوام كامل.
كان عندئذٍ حين بدأت في البحث عن مشورة مهنية. أخبرني روب شافيل، المؤسس المشارك لشركة "احذفني" DeleteMe، وهي شركة تعِد بفعل ما يوحي به اسمها بالضبط، بأنني كنت أقلق بشأن الأشياء الخاطئة طوال الوقت. قال لي: "ما يمكنك رؤيته وحذفه لا يعدو كونه غيضاً من فيض".
عرَّفني شافيل على العالم الشائن لسماسرة البيانات. تشتري هذه الشركات البيانات من التطبيقات ومواقع الويب، وتنظمها في قواعد بيانات، ثم تبيعها. وهي تجمع البيانات التي يشاركها الناس من دون أن يدركوا ذلك. أخبرني شافيل أن أتوقف وأفكر قبل أن أسمح لتطبيق بتعقب موقعي (يجب أن تدقّ التطبيقات المجانية أجراس الإنذار -عليها أن تكسب المال بطريقة ما).
فهمت أن من الممكن جعل سماسرة البيانات يحذفون المعلومات. ولكن يجب أن أتصل بهم بشكل فردي. ووفقاً لتقديرات شافيل، سيستغرق الأمر ما يقرب من 100 ساعة لتغطية كل سمسار معلومات رئيسي. ولن تكون هذه مهمة لمرة واحدة، حيث تقوم هذه الشركات بتحديث قواعد بياناتها كل بضعة أشهر. وبالطبع، يمكن لشركة "احذفني" الاهتمام بهذا. لكن الشركة تتقاضى 129 دولاراً سنوياً، وهو مبلغ أكبر مما توقعت أن يوافق عليه محرري المسؤول من النفقات.
بعد أن قلصت طموحي إلى إزالة كل أثر لي من شبكة الإنترنت، خصصت ساعة لاتخاذ بعض الاحتياطات الأساسية. على منصة "لينكد-إن" قمت بإلغاء الاشتراك في الإعلانات المخصصة. وعلى "فيسبوك" و"إنستغرام"، قمت بحذف أكثر المشاركات إحراجاً وسبباً للنفور. مسحت سجل البحث الخاص بي من على أي منصة تسمح لي بذلك. وقمت بتشغيل إعداد المصادقة ذات العاملَين، بحيث سيحتاج أي شخص يحاول الدخول إلى حساباتي إلى بيانات اعتماد مزدوجة منفصلة.
في نهاية المطاف، كان رد الفعل العنيف على البودكاست المذكور عن رئيس الوزراء الهندي معتدلًا مقارنة بما يتعين على بعض الصحفيين الآخرين تحمله، لكنه ظل مع ذلك مُحبطاً. أرسل لي عدد غير قليل من الناس تغريدات عنصرية ورسائل بريد إلكتروني غاضبة. وكان ما فاجأني بشكل خاص هو عدد الرسائل المسيئة التي تلقيتها على منصة "لينكد-إن"، وهي الشبكة التي ينبغي أن تكون مهنية، ظاهرياً. كنت قد افترضت أن معظم المتصيدين عبر الإنترنت هم رجال عاطلون عن العمل ليس لديهم الكثير ليفعلوه. واتضح أن بعض هؤلاء هم من إخوان التكنولوجيا الذين لديهم وظائف بأجر جيد في "مينلو بارك"، كاليفورنيا.**
نصيحتي للناس الآخرين الذين يشعرون بالقلق بشأن بصمتهم الرقمية؟ ما لم تكن جاسوساً، أو محتالاً، أو حساساً بشكل لا يصدق، أرجو أن تجري بحثاً عن نفسك في "غوغل" وتقوم بالتحقق من إعدادات الخصوصية الخاصة بك وحذف منشورات وسائل التواصل الاجتماعي التي تجعلك ترتجف. وإذا احتجت في أي وقت إلى استخدام شبكة الـ"واي-فاي" في مطار أديس أبابا بولي الدولي، فيمكنك أن تكون "جيمس بوند"، وتكتب [email protected] ، وتقوم بتسجيل الدخول، وستكون أمورك على ما يرام.
*أفانتيكا تشيلكوتي Avantika Chilkoti: مراسلة قطاع الأعمال العالمية في مجلة "الإيكونوميست".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why I gave up trying to delete myself from the internet
هامش المترجم:
** مينلو بارك Menlo Park: هي مدينة صغيرة تقع في ولاية كاليفورنيا، الولايات المتحدة، ضمن منطقة خليج سان فرانسيسكو، وبالقرب من مدينة بالو ألتو. تُعد من أهم مراكز التكنولوجيا والابتكار في العالم، حيث تستضيف العديد من الشركات التكنولوجية الكبرى والمشاريع الناشئة. تشتهر المدينة بشكل خاص بأنها موقع المقر الرئيسي لشركة "ميتا" (المعروفة سابقاً بـ"فيسبوك")، والتي تعد من كبرى شركات التكنولوجيا على مستوى العالم. تقع المدينة أيضاً بالقرب من "وادي السيليكون"؛ المركز العالمي العالمي لشركات التكنولوجيا والبحث والتطوير.

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
سعر برميل النفط الكويتي يرتفع ليبلغ 78 45 دولار
الأمير يشمل برعايته وحضوره غدا حفل تخرج دفعة الطلبة الضباط الـ50 بكلية علي الصباح العسكرية
لا تشريعات ناظمة لإدارة مخلفات البناء والهدم
جنرال إسرائيلي: نواجه تهديدا وجوديا وحماس لن تستسلم
وزير الدفاع الإسرائيلي يبدأ بتحقيق تغيير كبير في السياسة