سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل، ولن أقف معها مرة أخرى (3-3)
سكوت ريتر* - (سكوت ريتر إكسترا) 14/10/2024
كنت أعمى عن رؤية مأساة الشعب الفلسطيني. واليوم، أصبحت أعرف أن الضحايا الحقيقيين الوحيدين في الملحمة الإسرائيلية (عدا عن الأطفال من كل الأطراف الذين وقعوا في براثن الأحداث المأساوية التي فرضها عليهم الكبار الذين يدّعون أنهم يعملون من أجل غد مشرق ولامع، لكنهم لا يقدّمون سوى الموت والدمار) هم الشعب الفلسطيني.
* * *
في العام 1998، توقفت فجأة هذه العلاقة بين إسرائيل و"اللجنة الخاصة للأمم المتحدة، التي رعيناها، مضيفي وأنا، بعناية منذ اجتماعاتنا الأولى في تشرين الأول (أكتوبر) 1994. تحت ضغط من الولايات المتحدة، أنهت إسرائيل علاقتها الاستخباراتية مع "اللجنة الخاصة". وبحلول العام 1998، تم استبدال فريق "أمان" بأكمله الذي نجح في توطيد هذه العلاقة، من موشيه يعالون، إلى يعقوب عميدرور، إلى مضيفي. وقام الفريق الجديد -عاموس مالكين كرئيس لجهاز "أمان"، وعاموس جلعاد كرئيس لقسم الأبحاث والتحليل في الاستخبارات العسكرية، و"مضيف" جديد- بإغلاق عملية تبادل المعلومات الاستخباراتية مع "اللجنة الخاصة" على الفور. وقمت بزيارة أخيرة إلى إسرائيل، في أوائل حزيران (يونيو) 1998، حيث استمعت إلى إحاطة إعلامية من نظرائي بشأن الواقع الجديد.
وبعد شهرين من ذلك، استقلت من "اللجنة الخاصة"، ولم أعد قادراً بعد ذلك على الاضطلاع بمهمتي في نزع السلاح.
على الرغم من الطبيعة المفاجئة المحيطة بإنهاء علاقتي المهنية مع الحكومة الإسرائيلية، احتفظت في قلبي دائماً بمكانة خاصة للشعب الإسرائيلي، وبالتالي للأمة الإسرائيلية. وحتى عندما شاهدت عاموس جلعاد وهو يفكك بمفرده ومن جانب واحد نتائج العمل الشاق الذي أنجزته أنا ونظرائي الإسرائيليون بجهد هائل، رافضاً النتائج القائمة على الحقائق التي شهدت تضاؤل ملف التهديد في العراق، ورفع العراق مرة أخرى إلى وضع تهديد يستحق الحرب، لم أضع لومي على إسرائيل ككل، وإنما لمت بالتحديد أولئك الأفراد الإسرائيليين المعنيين، أولاً وقبل كل شيء الرجل الذي تولى منصب رئيس وزراء إسرائيل بعد إسحاق رابين، بنيامين نتنياهو.
أدى عدم كفاءة نتنياهو كزعيم سياسي إلى التصويت على خروجه من منصبه في العام 1999، وحل محله إيهود باراك (الذي تعلم على ما يبدو أن يكذب إلى درجة تكفي لأن يصبح سياسياً إسرائيلياً). وفي أيلول (سبتمبر) 2002، أدلى نتنياهو بشهادته أمام الكونغرس الأميركي حول برنامج الأسلحة النووية العراقي. وعلى الرغم من أنه فعل ذلك كمواطن عادي، إلا أن وضعه كرئيس وزراء سابق أعطى كلماته مصداقية لم تكن تستحقها.
قال نتنياهو: "ليس هناك شك على الإطلاق في أن صدام يسعى، ويعمل، ويتقدم نحو تطوير أسلحة نووية. وبمجرد أن يمتلك صدام أسلحة نووية، ستمتلك شبكة الإرهاب أسلحة نووية".
كانت تصريحات نتنياهو متناقضة بشكل مباشر مع النتائج التي توصلنا إليها أنا وزملائي الإسرائيليون -النتائج التي شاركتها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، المسؤولة عن الإشراف على تفكيك البرنامج النووي العراقي- والتي أكدت أن البرنامج النووي العراقي تم القضاء عليه، وأنه لا يوجد أي دليل على أن هناك أي محاولة لإعادة بنائه.
لكن مهمة نتنياهو لم تكن قول الحقيقة حول البرنامج النووي العراقي، بل استخدام الخوف الناتج عن شبح السلاح النووي العراقي لتبرير شن حرب على العراق يكون من شأنها أن تطيح بصدام حسين من سُدة السلطة. وقال نتنياهو لمستمعيه المتقبلين في الكونغرس: "إذا أسقطتم صدام، نظام صدام، فأنا أضمن لكم أنها ستكون لذلك آثار إيجابية هائلة على المنطقة. أعتقد أن الناس الذين يعيشون في الجوار المباشر في إيران، والشباب، وكثيرين غيرهم، سيقولون إن زمن مثل هذه الأنظمة، ومثل هؤلاء الطغاة، قد ولى".
إذا نظرنا إلى الوراء اليوم، وإلى العواقب المروعة للغزو الأميركي غير القانوني للعراق واحتلاله، وإلى النظام الإيراني المتمترس بقوة وراء برنامج نووي لن يختفي ولن يذهب إلى أي مكان، يمكن للمرء أن يرى بوضوح أن بنيامين نتنياهو كان مخطئاً في كل شيء. لكن هذه كانت طريقة عمله القياسية منذ البداية -المبالغة والكذب بشأن التهديدات التي تواجهها إسرائيل لتبرير عمل عسكري أدى دائماً إلى كارثة.
في السنوات ما بين استقالتي من "اللجنة الخاصة للأمم المتحدة" وبدء الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق، كنت أسافر في كثير من الأحيان إلى واشنطن العاصمة، وأسعى إلى عقد اجتماعات مع النواب وأعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين لتثقيفهم حول الحقائق المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل العراقية. وفي كل خطوة على الطريق، كانت تطاردني على الأعقاب فرق من العملاء من "لجنة العمل العام الأميركية الإسرائيلية"، أو (آيباك). وبمجرد أن أغادر مكتب أحد المسؤولين المنتخبين، كان فريق (آيباك) ينزلق خلفي ويذكِّر الشخص المعنيّ بمن هو الذي كتب الشيكات التي دفعت ثمن إعادة انتخابه.
بعد سنوات، شاهدت شريط فيديو من العام 2001 يتفاخر فيه نتنياهو بمدى سهولة السيطرة على الولايات المتحدة، إلى درجة أنه كان يعرف أنه يمكن أن يفلت من العقاب على التخريب العلني لأعظم إرث لإسحاق رابين -اتفاقات أوسلو- وهو يعلم جيداً أن الولايات المتحدة ستتراجع. وقال نتنياهو متفاخراً: "لم أكن خائفاً من الصدام مع كلينتون. أنا أعرف ما هي أميركا. أميركا شيء يمكن تحريكه بسهولة. توجيهه إلى الاتجاه الصحيح".
لقد ذهبت أميركا إلى الحرب مع العراق بسبب إسرائيل -الأكاذيب التي قالها نتنياهو، والتلاعب والاستغلال اللذين مارستهما إسرائيل، من خلال وكيلها الأميركي، (آيباك)، بشأن واجب الإشراف المسؤول الذي يجب أن يضطلع به الكونغرس تجاه الشعب الأميركي.
ولئلا يعتقد أحد أن (آيباك) كانت تتصرف وفق اجتهاداتها الخاصة، كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي عن أدلة على التواطؤ بين مسؤولي (آيباك) والدبلوماسي الإسرائيلي، ناعور غيلون، تتعلق بنقل معلومات سرية إلى إسرائيل.
كان ناعور غيلون نقطة الاتصال الخاصة بي في البعثة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة في نيويورك. لكن الفرق بيني وبين (آيباك)، مع ذلك، هو أن جميع اتصالاتي تمت الموافقة عليها من الأمم المتحدة ووكالة المخابرات المركزية الأميركية. كانت (آيباك) ببساطة تعمل لحسابها الخاص كأحد الأصول الإسرائيلية.
سوف يكون القول بأنني كنت غاضباً من إسرائيل لتدخلها في السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة تبخيساً. وعلى الرغم من ذلك، واصلت الوقوف إلى جانب إسرائيل.
في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006، تحدثتُ في كلية الشؤون الدولية بجامعة كولومبيا. كان الموضوع هو برنامج إيران النووي. وافتتحت ملاحظاتي بالحديث عما أسميتُه "الفيل في الغرفة: إسرائيل". قلت إن إسرائيل حليف وثيق للولايات المتحدة، وإذا تصاعدت الأمور وأصبحت حرجة، ووصلت إلى اندلاع مواجهة بين إسرائيل وإيران، فإن "مخاوف الأمن القومي المشروعة" لإسرائيل هي مخاوفنا نحن، بل ويمكن أن تجلب الحرب.
لكن دعمي لم يكن غير مشروط -على عكس إدارة كلينتون، لم يكن من الممكن خداعي بسهولة. قلت: "إن إسرائيل مخمورة بالغرور، والغطرسة والقوة. وأنا أعمل على طريقة القول المأثور، 'الأصدقاء لا يسمحون لأصدقائهم بأن يسوقوا وهم سُكارى'. ولذلك أعتقد، كصديق لإسرائيل، أن علينا مسؤولية سحب المفاتيح من قابل التشغيل وإيقاف الحافلة التي يقودونها، وإلا فإنها تتجه مباشرة إلى الهاوية".
كنت قلقاً جداً في ذلك الوقت من أن إسرائيل كانت بصدد تكرار أفعالها في الفترة التي سبقت حرب العراق، وتلفيق المعلومات الاستخباراتية (كان عاموس جلعاد، بحلول ذلك الوقت، قد أصبح قيصر "الاستخبارات والأمن" الإسرائيلي، بعد أن تم نقله إلى منصب رئيس مكتب الشؤون السياسية والعسكرية)، ويقوم بنشر رواية كاذبة بين المشرعين الأميركيين والهيئات الدولية مثل "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
لكن شيئاً آخر كان يؤرقني أيضاً.
في تشرين الأول (أكتوبر) 1997، كنت أعمل مع الإسرائيليين على عملية جديدة في رومانيا، تتعقب وفداً عراقياً كان ينوي شراء حصة مسيطِرة في شركة رومانية تعمل في مجال الفضاء بغرض الحصول على تكنولوجيا القذائف التسيارية بطريقة تنتهك الجزاءات المفروضة من الأمم المتحدة. وفي الشهر السابق، كان فريق إسرائيلي قد أخفق في اغتيال مسؤول كبير من "حماس" في عمان، الأردن. كان القتلة الذين نفذوا محاولة الاغتيال قد حقنوا بالسم هدفهم، خالد مشعل، لكن حراس مشعل الشخصيين تمكنوا من القبض عليهم قبل أن يتمكنوا من الفرار. وطالب العاهل الأردني الغاضب إسرائيل بتوفير الترياق للسم الذي استُخدم ضد مشعل مقابل استعادة العملاء الإسرائيليين الأسرى. وتم حل المسألة، ولكن مع إحراج كبير لإسرائيل.
قال لي مضيفي إن بنيامين نتنياهو هو الذي أمر بقتل خالد مشعل.
"ينبغي أن يكون هذا متوقعاً"، أجبت.
"أهو كذلك؟"، سأل مضيفي. "هل تعلم أن إسرائيل هي التي صنعت 'حماس'؟".
أذهلني هذا تماماً. كانوا قد أخذوني إلى متحف داخل الكيرياه، حيث تُعرض الأسلحة والأزياء الرسمية وقطع أخرى من المعدات التي تم الاستيلاء عليها من إرهابيي "حماس". وكانت "حماس" قد ارتكبت العديد من الفظائع ضد الشعب الإسرائيلي خلال فترة وجودي في إسرائيل. وكنتُ أنظر إليهم كعدو لإسرائيل.
والآن يقال لي إن إسرائيل كانت لها يد في إنشاء "حماس". كان القصد، كما أخبرني مضيفي، هو خلق انقسام سياسي داخل القيادة السياسية الفلسطينية، وإضعاف قوة ونفوذ حركة "فتح" التي يتزعمها ياسر عرفات. في هذا، يبدو أنهم نجحوا. لكن رد "حماس" العنيف على اتفاقات أوسلو دفع إسرائيل إلى إعادة التفكير في هذه العلاقة، وسرعان ما دخلت إسرائيل في حرب مفتوحة مع صنيعتها.
كنت على استعداد للتغاضي عن العلاقة بين إسرائيل و"حماس" والتقليل من شأنها باعتبارها تجربة سياسية ساءت أمورها عندما بدا في العام 2006 وكأن إسرائيل قد غفرت لـ"حماس" ماضيها العنيف، وعملت على خلق الظروف التي ساعدت الحركة في تأمين أغلبية المقاعد في البرلمان الفلسطيني. ولكن بحلول العام 2007، ذهبت العلاقات السيئة مُسبقاً بين "حماس" و"فتح" إلى مزيد من الانهيار، ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية بين الفصيلين أدت إلى انقسام الكيان الفلسطيني إلى نصفين، أحدهما بقيادة "فتح" في الضفة الغربية، بينما الآخر، بقيادة "حماس"، يعمل في غزة.
تبين فيما بعد أن هذا الصراع الداخلي بين الفلسطينيين دبرته إسرائيل من أجل تقسيم الجسم السياسي الفلسطيني وضمان إضعافه بينما تتاح الفرصة لإسرائيل لتحسين العلاقات مع "فتح" على أساس أن عدو عدوي هو صديقي.
على مدار العقد ونصف العقد التاليين، شاهدت إسرائيل وهي تستغل سيطرتها على "فتح"، وعداءها لـ"حماس"، وتحويلهما إلى دورة من العنف الذي لا ينتهي أبداً والذي ينتهي دائماً بالقضية الفلسطينية إلى تقديم المزيد من التنازلات التي عنَت فقدان المزيد من الأراضي -والمزيد من الأرواح. كانت صراعات غزة في العامين 2014 و2021 ذات دلالات واضحة وتقول الكثير في عنفها البالغ ضد المدنيين الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، وهو العنف الذي تم تجاهله إلى حد كبير في الغرب حيث أصبح الناس هناك محصنين ضد التأثر من رؤية الأطفال الفلسطينيين قتلى.
في أعقاب هجوم "حماس" على إسرائيل في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أخبرتني الذاكرة العضلية في قلبي وفي عقلي بأنه يجب عليّ أن أقف مع إسرائيل بينما ترد على هذه الفظائع.
ولكن بعد ذلك شاهدت الجنرالات والسياسيين الإسرائيليين وهم يدافعون علناً عن جرائم الحرب على شاشة التلفزيون الوطني، ويصفون الفلسطينيين بأنهم "حيوانات" ويدعون علناً إلى القضاء عليهم.
شاهدت الإسرائيليين وهم يكذبون بشأن طبيعة هجمات "حماس"، ويحولون ما كان هجوماً لا تشوبه شائبة ضد سلسلة من المستوطنات العسكرية والنقاط العسكرية القوية التي أحاطت بمعسكر الاعتقال المفتوح الذي كان غزة، إلى سرد عن شهوة الدماء غير المنضبطة، والذي تم ترويجه بعد ذلك إلى جمهور غربي لا يستنطق شيئاً عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية.
شاهدت كيف احتشد العالم للتعبير عن الصدمة بسبب الرواية عن 40 طفلاً إسرائيلياً قطعت رؤوسهم، بينما التزم الصمت إزاء الوفيات الحقيقية لما يقرب من 400 طفل فلسطيني قتلوا -لا، بل الذين تعرضوا لجريمة قتل مبيتة- بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية.
وقررت أنه لم يعد بإمكاني الوقوف مع إسرائيل بعد الآن.
وصلت متأخراً إلى القضية الفلسطينية. كنت منغمساً جداً في الملحمة الإسرائيلية، واستثمرت أيضاً في الخيال الإسرائيلي، حتى أصبحت أخلط بين الأشجار والغابة. كنت مُستهلَكاً جداً بكراهية "حماس" بحيث لم أدرك أنه يجب علي بدلاً من ذلك أن أكره ما مكن "حماس" من تنفيذ الجرائم التي ارتكبتها على مدى العقود الأربعة الماضية.
ببساطة، كنت أعمى عن رؤية مأساة الشعب الفلسطيني.
اليوم، أصبحت أعرف أن الضحايا الحقيقيين الوحيدين في الملحمة الإسرائيلية (عدا عن الأطفال من كل الأطراف الذين وقعوا في براثن الأحداث المأساوية التي فرضها عليهم الكبار الذين يدّعون أنهم يعملون من أجل غد مشرق ولامع، لكنهم لا يقدّمون سوى الموت والدمار) هم الشعب الفلسطيني.
على الأقل كان الآباء المؤسسون لإسرائيل صادقين بما يكفي للاعتراف بذلك. لكن الصهاينة الحاليين يفتقرون إلى الشخصية الأخلاقية للاعتراف بأنه لا يمكن بناء إسرائيل وتأمين استدامتها إلا على حساب فلسطين قابلة للحياة وحرة ومستقلة، وأن إسرائيل لن تسمح أبداً بوجود مثل هذه الفلسطين، وأنه إذا كانت هناك إسرائيل صهيونية، فلن تكون هناك أبداً فلسطين مستقلة.
إن خطايا الآباء حقيقية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالآباء المؤسسين لإسرائيل والجرائم التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني. وقد اعترف موشيه ديان بهذا القدر. وكذلك فعل دافيد بن غوريون. كان هؤلاء رجالاً -معيبين بشكل أساسي في أيديولوجياتهم ودوافعهم، لكنهم كانوا كذلك بنزاهة.
ليس لدى بنيامين نتنياهو وزملائه السياسيين الإسرائيليين المعاصرين، بغض النظر عن انتمائهم السياسي، مثل هذه النزاهة. إنهم كذابون متأصلون، رجال ونساء يعدون بشيء ثم يفعلون شيئا آخر عندما يتعلق الأمر بمستقبل فلسطين، بينما يقودون إسرائيل على طريق الحرب الدائمة.
لقد وصلت متأخراً إلى القضية الفلسطينية، ولكن الآن بعد أن وصلت إلى هنا، يمكنني أن أقول هذا -إن أفضل طريقة لهزيمة كل من "حماس" وإسرائيل الصهيونية هي دعم قيام دولة فلسطينية حرة ومستقلة.
لم أقف أبداً مع "حماس"، ولن أقف معها أبداً.
ووقفت ذات مرة مع إسرائيل، لكنني لن أفعل مرة أخرى أبداً.
على مدى أربعة عقود حتى الآن، استنفد التواطؤ بين إسرائيل و"حماس" مساره المأساوي، حيث أعلن كل جانب عن رغبته في تدمير الآخر، ومع ذلك يعرف كل جانب الحقيقة الفظيعة -أنه لا يمكن لأحدهما أن يوجد من دون الآخر.
لقد أصبحت المشكلة الإسرائيلية-الفلسطينية دورة لا تنتهي من العنف تتغذى على آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني. وقد حان الوقت لوضع حد لهذه الدورة.
من هذه اللحظة فصاعداً، سوف أقف دائماً إلى جانب شعب فلسطين، مقتنعاً بأن الطريق الوحيد إلى السلام في الشرق الأوسط هو الطريق الذي يمر عبر إنشاء وطن فلسطيني قابل للحياة، عاصمته راسخة وإلى الأبد في القدس الشرقية.
بهذه الطريقة، ستفقد "حماس" حقوق امتيازها كمنظمة متشددة عنيفة -حيث سينهي نشوء دولة فلسطينية شرعية حالة الصراع الدائمة التي تساهم فيها "حماس"، وهو وضع يبرره السعي إلى إقامة دولة فلسطينية شرعية لن تسمح إسرائيل الصهيونية أبداً بوجودها.
كما سينزع وجود دولة فلسطينية شرعية الشرعية عن فكرة وجود كيان صهيوني إسرائيلي، والذي لا يمكن أن يوجد، بحكم تعريفه، إلا من خلال الاستغلال الدائم للشعب الفلسطيني. وقد تمك بنيامين نتنياهو من الحفاظ على النسخة الحديثة من الدولة الإسرائيلية الصهيونية عن طريق توليد الخوف من خلال دورة لا نهاية لها من العنف الذي تثيره "حماس".
أزل التهديد الذي تشكله "حماس"، ولن تتمكن إسرائيل الصهيونية بعد الآن من تعمية مواطني إسرائيل والعالم عن الواقع الشبيه بالفصل العنصري للوجود الإسرائيلي الحالي. وسوف تجبر الإنسانيةُ الأساسية إسرائيل الصهيونية على التخلص من أيديولوجيتها الصهيونية، تماماً كما تخلى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا عن إرثه القبيح من تفوق البيض. سوف تضطر إسرائيل ما بعد صهيونية بالضرورة إلى تعلم التعايش مع جيرانها غير اليهود بشكل سلمي ومزدهر، ليس كدولة فصل عنصري استعمارية، وإنما كشركاء متساوين في تجربة الحياة التي تستحوذ بشكل جماعي على الناس الذين يعتبرون الأرض المقدسة وطناً لهم.
تتبادر إلى البال لدى تصور مثل هذا المكان كلمات أغنية روجر ووترز** الرائعة، "حلم المدفعي" The Gunner's Dream:
"يمكنك أن تستريح، بلا قلقٍ،
على جانبي الطريق،
والمجانين، لن يفتحوا ثقوباً في أجساد العازفين بالتحكم عن بُعد
والكل سيجد ملاذه في ظلال القانون،
ولا أحد سيقتل الأطفال بعد الآن".
أقف مع فلسطين لأنني أريد أن أعيش في عالم لا يعودُ فيه الأطفال يُنتزعون من بين قطع الأثاث الملطخة بالدماء، المتناثرة حول كيبوتس خرّبه مسلحو "حماس"، أو استخراجهم، مكسورين ومسودين بالسخام، من بقايا منزل سحقته القنابل الإسرائيلية.
"لا أحد سيقتل الأطفال بعد الآن".
قد تأتي هذه الكلمات من أغنية، "حلم المدفعيّ"، لكنها يجب أن تكون جزءاً دائماً من أحلام كل إنسان حيّ يدّعي أنه يتمسك بذرّة من الإنسانية والتعاطف مع إخوانه من البشر.
إنني أقف إلى جانب فلسطين، لأنني أدافع عن أطفال إسرائيل وفلسطين، وأنا أعلم جيداً أن الفرصة الوحيدة المتاحة لقدوم مستقبل يمكنهم فيه العيش معاً كجيران متحدين في سلام، بدلاً من أعداء متحدين في الحرب، هي وجود فلسطين حرة ومستقلة.
*وليام سكوت ريتر الابن Scott Ritter: ضابط استخبارات سابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية. خدم في الاتحاد السوفياتي السابق لتنفيذ معاهدات الحد من الأسلحة، وفي الخليج العربي/ الفارسي خلال عملية "عاصفة الصحراء" وعمل عضوا في اللجنة الخاصة للأمم المتحدة التي تشرف على نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق من العام 1991 إلى العام 1998 واستقال منها احتجاجاً، وأصبح فيما بعد أحد منتقدي السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقبل الغزو الأميركي للعراق في آذار (مارس) 2003 صرح ريتر بأن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل. في السنوات الأخيرة، كان مساهما منتظما في وسائل الإعلام الحكومية الروسية "روسيا اليوم" RT و"سبوتنِك" Sputnik. واعتبارا من آذار (مارس) 2024، أصبح عضوا في "محترفي الاستخبارات المخضرمين من أجل تحكيم العقل". أحدث كتاب له هو "نزع السلاح في زمن البيريسترويكا" Disarmament in the Time of Perestroika، منشورات (مطبعة كلاريتي).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why I no longer stand with Israel, and never will again
هامش:
**جورج روجر ووترز George Roger Waters: فنان بريطاني الجنسية من مواليد 6 أيلول (سبتمبر) 1943، مؤلف موسيقي، ملحن، مطرب، وعازف جيتار الباص وناشط سياسي والشريك المؤسس لفرقة الروك بينك فلويد الإنجليزية. مُنح جائزة محمود درويش للإبداع للعام 2022 لمواقفه الداعمة حركة مقاطعة إسرائيل. وقد غنى ووترز لدرويش خطبة الهندي الأحمر أمام الرجل الأبيض وغيرها.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment