
قنبلة إيران حقيقية - وهي الآن هنا
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
سكوت ريتر* - (كونسورتيوم نيوز) 20/10/2024
منذ أشهر، ركز العالم على خطر نشوب حرب نووية بين الولايات المتحدة وروسيا. لكن إيران وإسرائيل يمكن أن تسبقاهما إليها.
* * *
يبدو أن اندلاع الصراع بين إيران وإسرائيل قد غيّر موقف إيران ضد امتلاك سلاح نووي بينما تستعد إسرائيل لتوجيه ضربة بعد انتقام طهران بهجومين كبيرين بالطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز. وقد أصدرت إيران ثلاثة بيانات على الأقل عبر القنوات الرسمية منذ نيسان (أبريل)، والتي فتحت الباب أمام إمكانية إلغاء الفتاوى الدينية التي منعت حصول إيران على أسلحة نووية. ويبدو أن الظروف التي قالت إيران إنها يجب أن تتوفر لتبرير هذا التراجع قد استوفيت الآن.
وليست هذه مجرد تهديدات، بل ينبغي النظر إلى هذه التصريحات الصادرة عن طهران على أنها سياسة إعلانية تشير إلى أن إيران قد اتخذت بالفعل قراراً بالحصول على سلاح نووي، وأن الوسائل اللازمة للقيام بذلك موجودة بالفعل، وأن هذا القرار يمكن تنفيذه في غضون أيام بمجرد صدور الأمر السياسي النهائي بذلك.
كانت الفتوى الدينية ضد إنتاج الأسلحة النووية قد صدرت في تشرين الأول (أكتوبر) عن المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي. وجاء فيها:
"نعتقد أن إضافة الأسلحة النووية وأنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل، مثل الأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية، تشكل تهديداً خطيراً للبشرية... نحن نعتبر استخدام هذه الأسلحة حراماً، والجهد المبذول لحماية البشرية من هذه الكارثة الكبرى واجب على الجميع".
مع ذلك، ترى العقيدة الشيعية أن الفتاوى ليست دائمة بطبيعتها، وأنه يمكن للفقهاء الإسلاميين إعادة تفسير النصوص الدينية وفقاً لاحتياجات الزمن المعنيّ.
بعد وقت قصير من إطلاق إيران عملية "الوعد الصادق" ضد إسرائيل في نيسان (أبريل)، أعلن أحمد حق طلب، قائد الحرس الثوري الإسلامي المسؤول عن أمن المواقع النووية الإيرانية:
"إذا أرادت (إسرائيل) استغلال التهديد بمهاجمة المراكز النووية في بلادنا كأداة للضغط على إيران، فمن الممكن ومن المتصور مراجعة العقيدة والسياسات النووية لجمهورية إيران الإسلامية لإحداث تغيير في الاعتبارات المعلنة سابقاً".
وفي أيار (مايو)، أعلن كمال خرازي، وزير الخارجية السابق الذي يقدم المشورة للمرشد الأعلى: "ليس لدينا (إيران) قرار ببناء قنبلة نووية، ولكن إذا كان وجود إيران مهدداً، فلن يكون هناك خيار سوى تغيير عقيدتنا العسكرية".
وفي وقت سابق من هذا الشهر، دعا المشرعون الإيرانيون إلى إجراء مراجعة للعقيدة الدفاعية الإيرانية للنظر في اعتماد تصنيع الأسلحة النووية مع استمرار تزايد خطر التصعيد مع إسرائيل. وأشار المشرعون إلى أن المرشد الأعلى يمكنه إعادة النظر في الفتوى ضد الأسلحة النووية على أساس أن الظروف قد تغيرت.
وتشكل هذه التصريحات، مجتمعة، شكلاً من أشكال السياسة المعلنة التي توحي، بالنظر إلى المصادر المعنية، بأن ثمة قراراً سياسياً قد اتخذ بالفعل لبناء قنبلة نووية بمجرد استيفاء معيار الأمن القومي.
امتلاك القدرة
تمتلك إيران منذ بعض الوقت القدرة على تصنيع الأجهزة المتفجرة النووية وتسليحها. وباستخدام اليورانيوم عالي التخصيب، يمكن لإيران أن تصنع في غضون أيام سلاحاً بسيطاً من النوع الذي يعتمد على آلية الانفجار المدفعي** لتوليد انفجار نووي، والذي يمكن وضعه في رأس حربي لصاروخ باليستي.
وكانت إيران قد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حزيران (يونيو) بأنها تقوم بتركيب حوالي 1.400 جهاز طرد مركزي متقدم في منشأة فوردو. واستناداً إلى الحسابات المستمدة من مخزون إيران الحالي من سادس فلوريد اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة (المادة الخام المستخدمة في التخصيب القائم على أجهزة الطرد المركزي)، يمكن لإيران إنتاج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب (أي أكثر من 90 في المائة) لتصنيع 3-5 أسلحة تعتمد على اليورانيوم في غضون أيام.
وكل ما تحتاج إليه هو الإرادة السياسية للقيام بذلك. ويبدو أن إيران قد تجاوزت هذه العتبة، مما يعني أن الحسابات الكامنة وراء أي هجوم إسرائيلي و/أو أميركي على إيران قد تغيرت إلى الأبد.
ولم تخف إيران موقفها في هذا الواقع الجديد. في شباط (فبراير)، صرح الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية، علي أكبر صالحي، أن إيران تجاوزت "جميع العتبات النووية العلمية والتكنولوجية" لبناء قنبلة نووية، مشيراً إلى أن إيران جمعت جميع المكونات اللازمة لصنع سلاح نووي، باستثناء اليورانيوم عالي التخصيب.
وبعد أسبوعين، أعلن جواد كريمي قدوسي، عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، أنه إذا أصدر المرشد الأعلى "إذنا، فإننا سنكون على بعد أسبوع من اختبار أول (قنبلة نووية)"، مضيفاً لاحقاً أن إيران "تحتاج إلى نصف يوم أو أسبوع كحد أقصى لبناء رأس حربي نووي".
لن يحتاج الأمر إلى اختبار سلاح نووي بسيط من النوع الذي يعمل بآلية الانفجار المدفعي -كان سلاح "الفتى الصغير" الذي أسقطته الولايات المتحدة على هيروشيما في 6 آب (أغسطس) 1945 جهازاً يعمل بآلية الانفجار المدفعي، وقد اعتبر موثوقاً بما يكفي بحيث يمكن استخدامه عملياً من دون أي اختبار مسبق.
سوف تحتاج إيران إلى ما بين 75 و120 باونداً (نحو 34.02 كيلوغرام إلى 54.43 كيلوغرام تقريباً) من اليورانيوم عالي التخصيب لكل جهاز يعمل بالانفجار المدفعي (كلما كان التصميم أكثر تطوراً، ستكون هناك حاجة إلى كمية أقل من المواد). وبغض النظر عن ذلك، فإن حمولة صاروخ "فتح-1" الذي يعمل بالوقود الصلب وتفوق سرعته سرعة الصوت، والذي استخدم في هجوم 1 تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل، تبلغ حوالي 900 باوند (حوالي 408.23 كيلوغرام) -أي أكثر بكثير من السعة الكافية لحمل سلاح يورانيوم من نوع الانفجار المدفعي.
وبالنظر إلى حقيقة أن نظام درع الحماية من الصواريخ الباليستية الذي يغطي إسرائيل لم يكن قادراً على اعتراض صاروخ "فتح-1"، فإنه إذا قامت إيران ببناء ونشر واستخدام صاروخ "فتح-1" مسلح نووياً ضد إسرائيل، فهناك يقين بنسبة 100 في المائة تقريباً من أنه سيصيب هدفه. وسوف تحتاج إيران إلى 3-5 أسلحة نووية من هذا النوع لتدمير قدرة إسرائيل على العمل كدولة صناعية حديثة.
عواقب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني
جاء هذا الوضع بعد أن سحب الرئيس دونالد ترامب في العام 2017 الولايات المتحدة من "خطة العمل الشاملة المشتركة" -المعروفة باسم الاتفاق النوويي الإيراني. وكان العامل الدافع وراء مفاوضات "خطة العمل الشاملة المشتركة"، التي جرت في عهد الرئيس باراك أوباما، هو إغلاق طريق إيران إلى امتلاك سلاح نووي. وكما قال أوباما:
"ببساطة، بموجب هذا الاتفاق، سيكون هناك حظر دائم على امتلاك إيران لبرنامج أسلحة نووية، وتفعيلٌ لنظام تفتيش دائم يتجاوز أي نظام تفتيش سابق في إيران. ويوفر هذا الاتفاق لـ'الوكالة الدولية للطاقة الذرية' الوسائل للتأكد من أن إيران لا تفعل ذلك، سواء من خلال أدوات التحقق الخاصة بخطة العمل الشاملة المشتركة، التي يستمر بعضها لمدة تصل إلى 25 عاماً، أو من خلال البروتوكول الإضافي الذي يستمر إلى أجل غير مسمى. وبالإضافة إلى ذلك، قدمت إيران التزامات في هذا الاتفاق تشمل حظر أنشطة البحث والتطوير الرئيسية التي ستحتاجها لتصميم وبناء سلاح نووي. وهذه الالتزامات ليس لها تاريخ انتهاء".
في وقت مبكر من إدارته، في حزيران (يونيو) 2021، بعد أن كان ترامب قد سحب مسبقاً الولايات المتحدة من الصفقة، أعلن الرئيس جو بايدن أن إيران "لن تحصل أبداً على سلاح نووي في عهدتي". وقال مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية في بيان صدر في 11 تشرين الأول (أكتوبر): "نقدّر أن المرشد الأعلى لم يتخذ قراراً باستئناف برنامج الأسلحة النووية الذي علقته إيران في العام 2003".
في أعقاب قرار ترامب المتهور بالانسحاب من "خطة العمل الشاملة المشتركة"، اتخذت إيران إجراءات أكدت أنها لم تعد تشعر بأنها مقيدة بأي حدود أو قيود تفرضها الاتفاقية. وقامت بتوسع برنامجها النووي من خلال تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة تستخدم لتخصيب اليورانيوم، وقلصت المراقبة التي تمارسها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" على برنامجها النووي. باختصار، وضعت إيران نفسها في وضع يمكنها من إنتاج سلاح نووي في وقت قصير.
في حين يعتقد "مكتب مدير الاستخبارات" الوطنية حالياً أن المرشد الأعلى لم يتخذ القرار السياسي للقيام بذلك، فإن تقييماً نشر في تموز (يوليو) تضمن إغفالاً واضحاً لعدد من التقييمات السابقة لقدرات إيران النووية. وقد أشار تقييم "مكتب مدير الاستخبارات الوطنية" الصادر في شباط (فبراير) 2024 إلى أن "إيران لا تقوم حالياً بأنشطة لتطوير الأسلحة النووية الرئيسية اللازمة لإنتاج جهاز نووي قابل للاختبار".
مع ذلك، اختفى هذا البيان من تقييم تموز (يوليو) 2024، وهو مؤشر واضح على أن مجتمع الاستخبارات الأميركي، في ما يرجع في جزء كبير منه إلى انخفاض نشاط التفتيش الذي تقوم به "الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، أصبح يفتقر إلى الوسائل للنظر في الجوانب التقنية الحاسمة للصناعات النووية الإيرانية.
بعد قراءة النسخة السرية من تقرير "مكتب مدير الاستخبارات الوطنية" في تموز (يوليو) 2024 حول إيران، قال السناتور ليندسي غراهام إنه "قلق للغاية" من أن "إيران ستمتلك في الأسابيع أو الأشهر المقبلة سلاحاً نووياً".
ما الذي تواجهه الولايات المتحدة وإسرائيل؟
هذا هو الوضع الذي تواجهه إسرائيل والولايات المتحدة بينما تقرران بشأن طبيعة الانتقام الإسرائيلي من إيران عن الهجوم الصاروخي الإيراني في 1 تشرين الأول (أكتوبر). وقد أشارت إيران إلى أن أي هجوم يُشن على قدراتها النووية أو قدرات إنتاج النفط والغاز لديها سيُنظر إليه على أنه وجودي في طبيعته. وقد يؤدي ذلك إلى إلغاء الفتوى ونشر الأسلحة النووية في غضون أيام من اتخاذ مثل هذا القرار.
في نهاية الأسبوع قبل الماضية، قال الرئيس جو بايدن للصحفيين يوم الجمعة إنه يعرف متى وأين ستضرب إسرائيل، لكنه رفض الإدلاء بأي معلومات إضافية. وأظهرت وثائق المخابرات الأميركية المسربة في الأيام الأخيرة حدود معرفة الولايات المتحدة بما تخطط إسرائيل للقيام به بالضبط.
لطالما قالت الولايات المتحدة وإسرائيل أن إيران مسلحة نووياً هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه من دون عواقب وخيمة، بمعنى التدخل العسكري واسع النطاق المصمم لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية.
هذا الخط تم عبوره -إيران هي الآن قوة نووية بحكم الأمر الواقع، حتى لو أنها لم تتخذ الخطوات النهائية لاستكمال بناء قنبلة نووية.
ويمكن أن تكون عواقب مهاجمة إيران قاتلة للمهاجمين -وربما للمنطقة بأسرها.
*سكوت ريتر Scott Ritter: هو ضابط استخبارات سابق في سلاح مشاة البحرية الأميركية، خدم في الاتحاد السوفياتي السابق لتنفيذ معاهدات الحد من الأسلحة، وفي الخليج العربي خلال عملية "عاصفة الصحراء" وفي العراق للإشراف على نزع أسلحة الدمار الشامل. أحدث كتاب له هو "نزع السلاح في زمن البيريسترويكا" Disarmament in the Time of Perestroika، من منشورات كلاريتي برِس.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: SCOTT RITTER: Iran's Bomb Is Real - And It's Here
هامش المترجم:
**يشير مصطلح "gun-type weapon" إلى نوع من الأسلحة النووية التي تعتمد على آلية الانفجار المدفعي (Gun-type mechanism) لتوليد انفجار نووي. وفي هذا النوع من الأسلحة، يتم استخدام نظام يشبه السلاح الناري لإطلاق كتلتين من المواد الانشطارية، مثل اليورانيوم-235، بحيث تصطدمان معاً بسرعة عالية لتشكيل كتلة حرجة، وهو ما يؤدي إلى تفاعل نووي متسلسل وانفجار نووي. وتعد آلية عمل هذا السلاح بسيطة نسبياً مقارنة بآليات تفجير الأسلحة النووية الأخرى، وقد استخدمت هذه التقنية في تفجير قنبلة "ليتل بوي" التي ألقيت على هيروشيما في الحرب العالمية الثانية.

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
سعر برميل النفط الكويتي يرتفع ليبلغ 78 45 دولار
الأمير يشمل برعايته وحضوره غدا حفل تخرج دفعة الطلبة الضباط الـ50 بكلية علي الصباح العسكرية
لا تشريعات ناظمة لإدارة مخلفات البناء والهدم
جنرال إسرائيلي: نواجه تهديدا وجوديا وحماس لن تستسلم
وزير الدفاع الإسرائيلي يبدأ بتحقيق تغيير كبير في السياسة