عومير بارتوف: عن التحولات المقلقة في المجتمع الإسرائيلي (2 - 3)
عومير بارتوف* - (الغارديان) 13/8/2024
في 30 نيسان (أبريل) 1956، ألقى موشيه ديان، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي آنذاك، خطابًا قصيرًا سيصبح أحد أشهر الخطابات في تاريخ إسرائيل. وكان يخاطب المشيعين في جنازة روعي روثبرغ، وهو ضابط أمن شاب في كيبوتس "ناحال عوز" الذي كان قد تأسس حديثًا، حيث أنشأه الجيش الإسرائيلي في العام 1951 ثم أصبح مجتمعاً مدنياً بعد ذلك بعامين. كان الكيبوتس يقع على بعد بضع مئات من الأمتار من الحدود مع قطاع غزة، مقابل "حي الشجاعية" الفلسطيني.
وكان روثبرغ قد قتل في اليوم السابق، وسُحبت جثته عبر الحدود وتم تشويهها قبل إعادتها إلى أيدي الإسرائيليين بمساعدة الأمم المتحدة. وأصبح خطاب ديان في ذلك اليوم بيانًا مبدعًا، يستخدمه كل من اليمين واليسار السياسي على حد سواء حتى يومنا هذا:
"صباح أمس قتل روعي. منبهرًا بهدوء الصباح، لم ير أولئك الذين ينتظرون في كمين له على حافة الثلم. دعونا لا نلقِ الاتهامات على القتلة اليوم. لماذا يجب أن نلومهم على كراهيتهم المشتعلة لنا؟ إنهم يسكنون منذ ثماني سنوات في مخيمات اللاجئين في غزة، بينما قمنا أمام أعينهم بتحويل الأرض والقرى التي سكنوا فيها هم وأجدادهم إلى ممتلكات لنا نحن".
"لا ينبغي أن نطلب دماء روعي من العرب في غزة، وإنما من أنفسنا. كيف أغمضنا أعيننا ولم نواجه مصيرنا بشكل صريح؛ ولم نواجه مهمة جيلنا بكل قسوتها؟ هل نسينا أن هذه المجموعة من الفتيان، الذين يسكنون في ناحال عوز، يحملون على أكتافهم أبواب غزة الثقيلة، التي تزدحم على جانبها الآخر مئات الآلاف من العيون والأيدي التي تصلي من أجل لحظة ضعفنا، حتى يتمكنوا من تمزيقنا -هل نسينا ذلك؟...".
"نحن جيل الاستيطان؛ من دون خوذة فولاذية وفوهة مدفع، لن نتمكن من زرع شجرة وبناء منزل. لن يعيش أطفالنا إذا لم نحفر الملاجئ، ومن دون الأسلاك الشائكة والمدافع الرشاشة لن نتمكن من تعبيد الطرق وحفر آبار المياه. هناك ملايين اليهود الذين أبيدوا لأنهم لا يملكون أرضًا ينظرون إلينا الآن من رماد التاريخ الإسرائيلي ويأمروننا بالاستيطان وإحياء أرض لشعبنا. ولكن، وراء ثلم الحدود يرتفع محيط من الكراهية والرغبة في الانتقام، في انتظار اللحظة التي سيُضعف فيها الهدوء استعدادنا؛ لليوم الذي نستمع فيه إلى سفراء النفاق المتآمرين، الذين يدعوننا إلى إلقاء أسلحتنا...".
"دعونا لا نتوانَ عن رؤية الكراهية التي ترافق وتملأ حياة مئات الآلاف من العرب الذين يسكنون حولنا وينتظرون اللحظة التي يمكنهم فيها الوصول إلى سفك دمائنا. دعونا لا نُدر أعيننا لئلا تضعف أيدينا. هذا هو مصير جيلنا. هذا هو خيار حياتنا -أن نكون مستعدين ومسلحين وقساة وأقوياء. لأنه إذا سقط السيف من قبضتنا، فسوف تُقطع حياتنا".
هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي الأميركي، مع موشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، 1974 - (المصدر)
وفي اليوم التالي، سجل ديان خطابه للإذاعة الإسرائيلية. لكن هناك شيئًا كان مفقودًا. لقد ولت الإشارة إلى اللاجئين الذين يشاهدون اليهود وهم يزرعون الأراضي التي طردوا منها، والذين لا ينبغي لومهم على كراهيتهم للذين جردوهم من أملاكهم. وعلى الرغم من أنه نطق بهذه السطور في الجنازة وكتبها لاحقًا، اختار ديان حذفها من النسخة المسجلة. كان هو أيضًا يعرف هذه الأرض قبل العام 1948. واستذكر القرى والبلدات الفلسطينية التي دُمرت لخلق متسع للمستوطنين اليهود. وقد فهم بوضوح غضب اللاجئين عبر السياج. لكنه كان يؤمن أيضًا إيمانًا راسخًا بكل من الحق والحاجة الملحة للاستيطان اليهودي وإقامة الدولة. في الصراع بين معالجة الظلم والاستيلاء على الأرض، اختار جانبه، مع معرفته أنه حكَم على شعبه بالاعتماد إلى الأبد على البندقية. كان ديان يعرف جيدًا ما يمكن أن يقبله الجمهور الإسرائيلي. وبسبب تناقضه حول مكان الشعور بالذنب والمسؤولية عن الظلم والعنف، ونظرته الحتمية والمأساوية للتاريخ، انتهى الأمر بنسختين من خطابه إلى جذب توجهات سياسية مختلفة إلى حد كبير.
بعد عقود لاحقًا، بعد العديد من الحروب الإضافية وأنهار الدماء، عنون ديان كتابه الأخير "هل إلى الأبد يأكل السيف"؟ نُشر الكتاب في العام 1981، وفصّل دوره في التوصل إلى اتفاق سلام مع مصر قبل عامين. لقد تعلم أخيرًا حقيقة الجزء الثاني من الآية التوراتية التي أخذ منها عنوان الكتاب: ألم تعلم أنها تكونُ مرارة في الأَخير؟
ولكن، في خطابه في العام 1956، بإشاراته إلى حمل بوابات غزة الثقيلة والفلسطينيين الذين ينتظرون لحظة ضعف، كان ديان يلمح إلى قصة شمشون التوراتية. وكما لا بد أن يكون قد تذكر مستمعوه، كان شمشون الإسرائيلي، الذي تُستمد قوته الخارقة من شعره الطويل، معتادًا على زيارة البغايا في غزة. كان الفلستيون، الذين اعتبروه عدوهم اللدود، يأملون في نصب كمين له وراء بوابات المدينة المغلقة. لكن شمشون ببساطة رفع البوابات على كتفيه ومشى حرًا. وكان فقط عندما خدعته عشيقته دليلة وقصت شعره عندما تمكن الفلستيون من القبض عليه وسجنه، ثم جعلوه أكثر عجزًا من خلال خلع عينيه (كما يُزعم أن سكان غزة الذين شوهوا روعي فعلوا ذلك أيضًا). ولكنْ، في عمل شجاع أخير، بينما كان يسخر منه آسروه، يطلب شمشون مساعدة الله، ويقبض على أعمدة الهيكل الذي قادوه إليه، ويهدمه على الحشد المرح المحيط به، مناديًا: "لتمت نفسي مع الفلستيين"!
ما تزال أبواب غزة هذه راسخة بعمق في المخيلة الصهيونية الإسرائيلية، كرمز للانقسام بيننا وبين "البرابرة". وفي حالة روعي، أكد ديان، "التوق إلى السلام سد أذنيه، ولم يسمع صوت القتل الذي ينتظر في الكمين. كانت أبواب غزة تثقل كاهله وأسقطته".
في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، خاطب الرئيس إسحاق هرتسوغ الجمهور الإسرائيلي، مستشهدا بالسطر الأخير من خطاب ديان: "هذا هو مصير جيلنا. هذا هو خيار حياتنا -أن نكون مستعدين ومسلحين وقساة وأقوياء. لأنه إذا سقط السيف من قبضتنا، فسوف تقطع حياتنا". وفي اليوم السابق، بعد 67 عامًا من وفاة روعي، كان مقاتلو "حماس" قد قتلوا 15 من سكان كيبوتس "ناحال عوز" واحتجزوا ثماني رهائن. ومنذ الغزو الإسرائيلي الانتقامي لغزة، تم إفراغ حي الشجاعية الفلسطيني المواجه للكيبوتس، حيث كان يعيش 100.000 شخص، من سكانه وتحويله إلى كومة كبيرة من الأنقاض.
* * *
من بين المحاولات الأدبية النادرة لفضح المنطق القاتم لحروب إسرائيل، ثمة قصيدة عناداد إلدان الاستثنائية في العام 1971 "شمشون يمزق ملابسه"، التي يشق فيها هذا البطل العبري القديم طريقه بالصدام من وإلى غزة، تاركًا الخراب فقط في أعقابه. وقد علمتُ لأول مرة عن هذه القصيدة من مقال آري دوبنوف المتميز باللغة العبرية، "أبواب غزة"، الذي نشر في كانون الثاني يناير 2024. شمشون البطل، النبي، الذي أخضع العدو الأبدي للأمة، يتحول في القصيدة إلى ملاك الموت للعدو، موت، كما نتذكر، ينتهي به الأمر إلى أن يجلبه على نفسه أيضًا في عمل انتحاري كبير تردد صداه عبر الأجيال حتى يومنا هذا.
عندما ذهبتُ
إلى غزة، قابلت
شمشون يخرج وهو يمزق ملابسه
على وجهه المخدوش تدفقت الأنهار
وانحنت المنازلُ
ليمُرّ
آلامه اقتلعت الأشجار وعلِقت في الجذور
المتشابكة
في الجذور كانت خصل من شعره.
لمع رأسه مثل جمجمة منحوتة من الصخر
ومزقت خطواته المتعثرة دموعي، مشى
شمشون وهو يجر شمسًا متعبة
زجاج النوافذ والسلاسل المحطمة غرقت في بحر
غزة. سمعتُ كيف
تئن الأرض تحت خطواته،
وكيف قطع أحشاءها. صرخ
حذاء شمشون حين مشى.
ولد إلدان في بولندا في العام 1924 باسم أبراهام بليبرغ، وجاء إلى فلسطين عندما كان طفلاً، وقاتل في حرب العام 1948، وفي العام 1960 انتقل إلى كيبوتس بئيري، على بعد حوالي 4 كيلومترات من قطاع غزة. في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، نجا إلدان البالغ من العمر 99 عامًا وزوجته من مذبحة راح ضحيتها حوالي مائة من سكان الكيبوتس، عندما أبقى على حياتهما المسلحون الذين دخلوا منزلهما لسبب غير مفهوم.
بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، في أعقاب النجاة الغامضة والمعجزة لهذا الشاعر، تمت مشاركة عمل مختلف له على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإسرائيلية. لأنه بدا كما لو أن إلدان، وهو مؤرخ قديم للحزن والألم الناجم عن القمع والظلم، قد تنبأ بالكارثة التي حلت بمنزله. في العام 2016، كان قد نشر مجموعة من القصائد تحت عنوان "السادسة ساعة الفجر". كانت تلك هي الساعة التي بدأ فيها هجوم "حماس". ويحتوي الكتاب على قصيدة مروعة عنوانها "على جدران بئيري"، حدادًا على وفاة ابنته بسبب المرض (في العبرية اسم الكيبوتس يعني أيضا "بئري").
في أعقاب 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بدا أن القصيدة تتنبأ بشكل مخيف بالدمار وأنها تنقل وجهة نظر معينة عن الصهيونية، باعتبارها نشأت في كارثة الشتات واليأس، وجلبت الأمة إلى أرض ملعونة حيث الآباء والأمهات يدفنون أولادهم، ومع ذلك يتمسكون بالأمل في طلوع فجر جديد ومفعم بالأمل:
على جدران بئيري كتبتُ قصتها
من أصولٍ وأعماقٍ مزقها البردُ
حين قرأوا ما كان يحدث في ألم، وأضواؤها
تهاوت في الضباب وظلام الليل، وصوت عواء أنجبته
صلاة، لأن أبناءها سقطوا وأُغلق
دون نعمة السماء باب، يتنفسون الحزن والخراب.
من سيواسي الآباء الذين بلا عزاء، حيث ثمة لعنة
تهمس: "لا يكن هناك ندى ولا مطر، ابكِ إن استطعت"
ثمة وقت يزأر فيه الظلام، لكن هناك فجر وإشراق.
مثل تأبين ديان لروعي، تعني "على جدران بئيري" أشياء مختلفة للأشخاص المختلفين. هل يجب أن تُقرأ على أنها رثاء لتدمير كيبوتس جميل وبريء في الصحراء، أم أنها صرخة ألم على الثأر الدموي الذي لا نهاية له بين شعبي هذه الأرض؟ لم يخبرنا الشاعر بالمعنى الذي يقصده، كما هي طريقة الشعراء. بعد كل شيء، كتب هذا منذ سنوات في رثاء ابنته الحبيبة. ولكن بالنظر إلى سنواته العديدة من العمل الهادئ والدقيق والحارق، لا يبدو مفرطًا في الخيال الاعتقاد بأن القصيدة كانت دعوة إلى المصالحة والتعايش، بدلاً من المزيد من دورات سفك الدماء والانتقام.
* * *
كما يحدث، لدي علاقة شخصية بكيبوتس بئيري. إنه المكان الذي نشأت فيه زوجة ابني، وكانت رحلتي إلى إسرائيل في حزيران (يونيو) في المقام الأول لزيارة التوأمين -حفيديّ- اللذين جلبتهما إلى العالم في كانون الثاني (يناير) 2024. ومع ذلك، تم التخلي عن الكيبوتس. انتقل ابني وزوجة ابني وطفلاهما إلى شقة شاغرة قريبة مع عائلة من الناجين -من الأقارب المقربين، الذين ما يزال والدهم محتجزًا كرهينة- في ما جمع مزيجًا لا يمكن تصوره من الحياة الجديدة والحزن الذي لا يطاق في منزل واحد.
بالإضافة إلى رؤية العائلة، جئت أيضًا إلى إسرائيل لمقابلة الأصدقاء. كنت آمل أن أفهم ما حدث في البلد منذ بدء الحرب. لم تكن المحاضرة المجهضة في جامعة بن غوريون في بئر السبع على رأس جدول أعمالي. ولكن بمجرد وصولي إلى قاعة المحاضرات في ذلك اليوم من منتصف حزيران (يونيو)، فهمت بسرعة أن هذا الوضع المتفجر يمكن أن يوفر أيضًا بعض الأدلة لفهم عقلية الجيل الأصغر من الطلاب والجنود.
بعد أن جلسنا وشرعنا في الحديث، أصبح واضحًا لي أن الطلاب يريدون أن يُسمع صوتهم، وأنه لا أحد، ربما حتى أساتذتهم ومديري جامعاتهم، كان مهتماً بالاستماع. وقد أشعل فيهم وجودي، ومعرفتهم الغامضة بانتقادي للحرب، دافعًا إلى أن يشرحوا لي، ولكن ربما أيضًا لأنفسهم، ما كانوا منخرطين فيه كجنود وكمواطنين.

عائلات فلسطينية شردها القصف الإسرائيلي في قطاع غزة - (أرشيفية)
قفزت امرأة شابة، عادت مؤخرًا من الخدمة العسكرية الطويلة في غزة، إلى المسرح وتحدثت بقوة عن الأصدقاء الذين فقدتهم، والطبيعة الشريرة لـ"حماس"، وحقيقة أنها ورفاقها كانوا يضحون بأنفسهم لضمان سلامة مستقبل البلد. وفي حالة من الذهول عميق، شرعت في البكاء في منتصف خطابها ونزلت عن المسرح. ورفض شاب، متماسك وفصيح اللسان، اقتراحي بأن انتقاد السياسات الإسرائيلية لم يكن بالضرورة مدفوعًا بمعاداة السامية. ثم انطلق في عرض مسح موجز لتاريخ الصهيونية كرد على معاداة السامية وكمسار سياسي لا يحق لأي أحد من غير اليهود إنكاره. وفي حين أنهم كانوا منزعجين من آرائي ومنزعجين من تجاربهم الأخيرة في غزة، إلا أن الآراء التي عبر عنها الطلاب لم تكن استثنائية بأي حال من الأحوال. لقد عكسوا رؤية قطاعات أكبر بكثير من الرأي العام في إسرائيل.
مع علمهم بأنني كنتُ قد حذرت سابقًا من الإبادة الجماعية، كان الطلاب حريصين بشكل خاص على إظهار أنهم كانوا إنسانيين، وأنهم ليسوا قتلة. لم يكن لديهم أي شك في أن جيش الدفاع الإسرائيلي كان، في الواقع، الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. لكنهم كانوا مقتنعين أيضًا بأن أي ضرر يلحق بالناس والمباني في غزة كان مبررًا تمامًا، وأن كل ذلك كان خطأ "حماس" لأنها استخدمتهم كدروع بشرية.
أطلعوني على صور على هواتفهم لإثبات أنهم تصرفوا بشكل مثير للإعجاب تجاه الأطفال، ونفوا وجود أي جوع في غزة، وأصروا على أن التدمير المنهجي للمدارس والجامعات والمستشفيات والمباني العامة والمساكن والبنية التحتية هو شيء ضروري ومبرر. واعتبروا أي انتقاد للسياسات الإسرائيلية من الدول الأخرى والأمم المتحدة ليس سوى معاداة للسامية، ببساطة.
خلافًا لغالبية الإسرائيليين، رأى هؤلاء الشباب تدمير غزة بأعينهم. بدا لي أنهم لم يستوعبوا فقط وجهة نظر معينة أصبحت شائعة في إسرائيل -أن تدمير غزة على هذا النحو كان رداً مشروعاً على هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر)- ولكنهم طوروا أيضًا طريقة تفكير كنت قد لاحظتها منذ سنوات عديدة عند دراسة السلوك والنظرة العالمية والتصور الذاتي لجنود الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية. بعد أن يكونوا قد استوعبوا وجهات نظر معينة عن العدو -البلاشفة على أنهم دون البشر؛ "حماس" على أنهم حيوانات بشرية- وفهم السكان الأوسع على أنهم أقل من البشر وغير مستحقين للحقوق، يميل الجنود الذين يراقبون أو يرتكبون الفظائع إلى نسبتها ليس إلى جيشهم، أو إلى أنفسهم، وإنما إلى العدو.
الآلاف من الأطفال قتلوا؟ إنه خطأ العدو. أطفالنا قتلوا؟ هذا بالتأكيد خطأ العدو. إذا ارتكبت "حماس: مجزرة في كيبوتس، فهي نازية. إذا أسقطنا قنابل تزن الواحدة منها 2.000 رطل على ملاجئ اللاجئين وقتلنا مئات المدنيين، فهذا خطأ "حماس" لأنها تختبئ بالقرب من هذه الملاجئ. بعد ما فعلوه بنا، ليس لدينا خيار سوى اجتثاثهم. بعد ما فعلناه بهم، نستطيع أن نتخيل فقط ما سيفعلونه بنا إذا لم ندمرهم. ببساطة ليس لدينا خيار.
في منتصف تموز (يوليو) 1941، بعد أسابيع فقط من شن ألمانيا ما أعلن هتلر أنه "حرب إبادة" ضد الاتحاد السوفياتي، كتب ضابط صف ألماني إلى الوطن من الجبهة الشرقية:
"الشعب الألماني يدين بدَين كبير لفوهررنا، لأنه لو جاءت هذه الوحوش، التي هي أعداؤنا هنا، إلى ألمانيا، لكانت قد وقعت جرائم قتل لم يشهد لها العالم مثيلًا من قبل... ما رأيناه... يقترب من حدود المستحيل... وعندما يقرأ المرء صحيفة دير شتورمر (صحيفة نازية) وينظر إلى الصور، فإن هذا مجرد توضيح ضعيف لما نراه هنا والجرائم التي ارتكبها اليهود هنا".
ويرسم منشور دعائي للجيش صدر في حزيران (يونيو) 1941 صورة كابوسية مماثلة للضباط السياسيين في "الجيش الأحمر"، والتي سرعان ما اعتبرها العديد من الجنود انعكاسًا للواقع:
"أي شخص نظر في أي وقت إلى وجه مفوض أحمر يعرف كيف يبدو البلاشفة. هنا ليست هناك حاجة إلى التعبيرات النظرية. سوف نهين الحيوانات إذا وصفنا هؤلاء الرجال اليهود في الغالب بأنهم وحوش. إنهم تجسيد للكراهية الشيطانية والمجنونة ضد البشرية النبيلة جمعاء... (إنهم) كانوا سيضعون نهاية لكل حياة ذات معنى، لو لم يتم وضع سد دون هذا الانفجار في اللحظة الأخيرة". (يُتبع)
*عومير بارتوف Omer Bartov: (من مواليد إسرائيل في العام 1954) مؤرخ إسرائيلي أميركي. وهو أستاذ صموئيل بيسار لدراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون، حيث يدرّس منذ العام 2000. وهو مؤرخ للهولوكوست ويعد من السلطات الرائدة في العالم في مجال الإبادة الجماعية. تصفه مجلة "ذا فوروارد بأنه "أحد أبرز علماء الحياة اليهودية في غاليسيا". خدم في الجيش الإسرائيلي خلال حرب البلاد في العام 1973، ضد العديد من جيرانها. خلال حياته المهنية التي استمرت أربعة عقود، كتب العديد من الكتب والمقالات التي تدرس نظام هتلر، مع التركيز بشكل خاص على كيفية عمل الأيديولوجية النازية في مؤسسات مثل الجيش الألماني.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: As a former IDF soldier and historian of genocide, I was deeply disturbed by my recent visit to Israel
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.


Comments
No comment