(
MENAFN- Alghad Newspaper)
هآرتس
شاؤول اريئيلي
- 13/9/2024
منذ الحرب العالمية الثانية، تقريبا، لم يرافق أي حرب بين الدول إنكار حقوق دولة في وجودها، أو إنكار حقوق شعب في تقرير المصير. المذبحة التي نفذتها حماس في بلدات النقب الغربي في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وخطتها لإقامة دولة فلسطين على أنقاض إسرائيل، إلى جانب استبعاد أي اتفاق
سياسي من قبل حكومة
نتنياهو - كل ذلك يعكس المقاربة السائدة في أوساط الأصوليين الحمساويين من جهة وفي أوساط المسيحانيين المتطرفين الإسرائيليين من جهة أخرى.كل طرف ينفي بشكل مطلق حقوق الطرف الثاني.
هذه المقاربة أصبحت سائدة في الحوار السياسي والجماهيري لدى الطرفين. حماس ومؤيدوها يطالبون بدولة واحدة ويرفضون حق إسرائيل في الوجود وحق الشعب اليهودي في تقرير المصير في وطنه؛ إسرائيل ترفض إقامة الدولة الفلسطينية بجانبها وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
هذان الموقفان مناقضان للقانون الدولي وقرارات المجتمع الدولي. موقف حماس المبدئي تحت شعار "من البحر إلى النهر" ينضم إليه بشكل غير مسبوق كثيرون جدا في العالم. والسؤال هو لماذا؟ هل الحديث يدور عن اللاسامية التقليدية؟ عن الجهل؟ مناهضة إسرائيل؟ أو ربما فشل الإعلام في إسرائيل؟ أو أن هناك تفسيرا آخر لذلك؟.
يبدو أنه مثلما في أسئلة كثيرة معقدة، فإن الإجابة تكمن في عناصر مختلفة، من بينها العناصر التي تم ذكرها أعلاه. مع ذلك، في المجتمع الدولي هناك من لا يعتبرون مع اللاساميين التقليديين وغير جاهلين، مع ذلك هم غير مستعدين لقبول رواية إسرائيل كرواية عادلة. موقفهم يرتكز إلى مبررات منطقية، حسب رأيهم، تتناول جذور النزاع الذي بدأ عند إعلان بلفور في تشرين الثاني (نوفمبر) 1917. يجب علينا نحن الإسرائيليين أن نعرف جيدا المنطق من وراء موقفهم إذا أردنا فهم الواقع واتخاذ قرارات حاسمة حيوية لمستقبلنا.
عند انتهاء الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم في 1919، حل مبدأ تقرير المصير محل المبدأ الإمبريالي في المنظومة الدولية. العدوان والاحتلال كطريقة للحصول على السيادة على مناطق تم رفضهما، وترسخ الاعتراف بأنه يوجد لكل شعب لديه أغلبية في أوساط سكان البلاد حق طبيعي لتقرير مستقبله السياسي والاجتماعي. بكلمات أخرى، "البلاد تعود لسكانها وليس لمحتليها".
ما الوضع الذي كان سائدا في أرض فلسطين الانتدابية بعد انتهاء تلك الحرب؟ من بين السكان الذين كان عددهم أقل بقليل من 750 ألف نسمة، 90 % منهم عرب و10 % يهود، وأكثر من 93 % من الأراضي الخاصة كانت بملكية العرب. على خلفية هذا الواقع، طلب عرب البلاد في كانون الأول (ديسمبر) 1920 في المؤتمر العربي الوطني الثالث الذي عقد في حيفا تطبيق حقهم في تقرير المصير وتشكيل حكومة من أبناء البلاد تكون مسؤولة أمام مجلس تمثيلي منتخب من قبل الشعب الذي يتحدث اللغة العربية والذي كان يعيش في فلسطين حتى بداية الحرب (بما في ذلك اليهود).
الدول العظمى المنتصرة؛ بريطانيا وفرنسا وأميركا، تجاهلت الواقع في فلسطين ولم تستجب لطلب العرب في تقرير المصير رغم أنهم يشكلون أغلبية السكان في البلاد. في مؤتمر سان ريمو في العام 1920، قررت الدول الأوروبية العظمى أن يتم تضمين وعد بلفور في صك الانتداب الذي أعطي لبريطانيا، وفي العام 1922 مصادقة عصبة الأمم على صك الانتداب. وبعد مرور 25 سنة، اعترفت لجنة التقسيم التابعة للأمم المتحدة بأن "مبدأ تقرير المصير لم يتم تطبيقه على فلسطين في الوقت الذي أوجد فيه الانتداب في 1922 بسبب التطلع إلى التمكين من إقامة الوطن القومي لليهود".
استثناء فلسطين من مبدأ تقرير المصير كان أمرا غير مسبوق. البروفيسور إدوارد سعيد، العضو في المجلس الوطني الفلسطيني، كتب في 1979 عن وعد بلفور ما يلي: أهمية التصريح تكمن أولا وقبل أي شيء آخر بكونه الأساس القانوني لمطالبة الصهيونية بفلسطين. الأمر الثاني والأكثر أهمية، أن هذا التصريح يمكن فهم مدى شذوذه فقط إذا فهمنا بشكل جيد الوضع الديموغرافي أو الإنساني في فلسطين (من خلال "قضية فلسطين").
البريطانيون أرفقوا مع هذا الشذوذ شرطا. فقد اشترطوا إقامة الوطن اليهودي بـ"ألا يتم فعل شيء يمكن أن يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية"، وبناء على طلب اليهود "ألا يكون مس أيضا بالحقوق والمكانة السياسية لليهود في أي دولة أخرى". في صك الانتداب الذي تضمن وعد بلفور، واصل وكرر المجتمع الدولي هذا الشرط، وكتب بأنه سيقام وطن قومي لليهود مع الحفاظ على الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين من دون تمييز في العرق والدين. أي أنه مقابل استثناء فلسطين والحفاظ على حقوق اليهود في أرجاء العالم، فإن الوطن القومي لليهود سيكون ديمقراطيا ويحافظ على المساواة في الحقوق لكل سكانه.
في العام 1947، سلم المجتمع الدولي بعدم إمكانية وجود دولة واحدة، بذريعة أنه "يوجد الآن في فلسطين حوالي 650 ألف يهودي وحوالي مليون و200 ألف عربي، يختلفون عن بعضهم بعضا في نمط الحياة والمصالح السياسية" (قرار التقسيم من العام 1947). وأكد المجتمع الدولي أن "الدعاوى على فلسطين هي للعرب واليهود، وكلها سارية المفعول ولا يمكن التوفيق فيما بينها". لذلك تقرر بأن "من بين جميع الاقتراحات المطروحة، فإن تقسيم (البلاد) هو الاقتراح العملي أكثر". الصفقة، استثناء فلسطين/ أرض إسرائيل من مبدأ تقرير المصير بشرط واضح، وهو إقامة ديمقراطية في البلاد، كانت واضحة جدا بالنسبة للقيادة الصهيونية من البداية.
دافيد بن غوريون قرر في العام 1918 بأنه "من غير المرغوب فيه ولا يمكن طرد السكان الحاليين من البلاد. هذه ليست هوية الصهيونية. لو أن الصهيونية كانت تطمح لوراثة مكانة سكان البلاد الحاليين، فإن هذا لن يكون إلا أمرا خطيرة ووهما ضارا ورجعيا". زئيف جابوتنسكي جاء بعده وتعهد في العام 1923 بالقول: "أنا أعتبر أن إبعاد العرب من أرض إسرائيل غير مقبول على الإطلاق، في أرض إسرائيل دائما عاش شعبان، وأنا مستعد لأن أقسم باسمنا واسم أحفادنا بأننا لن ننتهك في أي يوم المساواة في الحقوق، ولن نقوم بأي محاولة لإبعاد أي أحد".
أيضا مناحيم بيغن أكد مرة أخرى على الشرط الحاسم المذكور أعلاه للحصول على الشرعية الدولية لإقامة دولة إسرائيل. وقد كتب في 1972: "الصهيونية... هذه هي أسسها في أرض إسرائيل، التي حقوقنا فيها لا يمكن التشكيك فيها، أنه ستكون أكثرية يهودية وأقلية عربية ومساواة في الحقوق للجميع. نحن لم ننحرف ولن ننحرف عن هذه العقيدة، التي تتضمنها عدالة قضيتنا". بعد ذلك، في العام 1978 عرض خطة الحكم الذاتي التي في نهايتها المناطق المحتلة سيتم ضمها لإسرائيل، والفلسطينيون يمكنهم أن يحصلوا على الجنسية الإسرائيلية.
عودة إلى هذه الأيام. حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو ترفض كل الاحتمالات. فهي ترفض حل الدولتين، وترفض إعطاء المواطنة والمساواة في الحقوق بعد ضم المناطق. هذه السياسة تنتهك تعهد الصهيونية الأساسي لعملية الاستثناء، التي بواسطتها أقيمت دولة إسرائيل. رفض الفلسطينيين لتقسيم البلاد في 1948 كف عن أن يكون عاملا ذا صلة، بعد أن وافق الفلسطينيون على قرار التقسيم رقم 181 والقرارات التي تعترف بإسرائيل في حدود حزيران 1967. وكرروا ذلك بالاعتراف المتبادل مع إسرائيل في أيلول 1993. "منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق إسرائيل في الوجود بسلام وأمن، وتعترف بقراراي مجلس الأمن رقم 242 ورقم 338".
الرأي العام العالمي، الذي ينفي وجود إسرائيل حتى في حدود 1967، يدعي أنه إذا لم تنفذ إسرائيل المطلوب منها في الصفقة التاريخية، عندها يجب الموافقة على مطالبة الفلسطينيين بدولة واحدة (بروحية أقوال جونثان ايلان، نائب السفير البريطاني في الامم المتحدة، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، الذي قال في خطابه في الأمم المتحدة بمناسبة مرور مائة سنة على تصريح بلفور: "تعالوا نتذكر بأنه كان هناك قسمان في التصريح، القسم الثاني لم يتم تطبيقه").
القصد ليس تحقيق "حلم" حماس بـ"دولة شرعية من البحر وحتى النهر"، بل القصد هو الدعوى التي قدمها محمود عباس في خطابه في الأمم المتحدة في 2017: "حل الدولة الواحدة هو حل محتمل، لكن ليس بالشكل الذي تسوقه حكومة إسرائيل، بل حسب مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق. إذا تم تحطيم حل الدولتين بسبب خلق واقع الدولة الواحدة مع نظامي قوانين، ابرتهايد، هذا سيكون فشلا، ولن يكون لكم أو لنا أي خيار عدا عن مواصلة النضال والمطالبة بالحقوق المتساوية لجميع سكان فلسطين التاريخية. هذا لا يعد تهديدا، بل هو تحذير نابع من أن سياسة إسرائيل تعمل بشكل خطير على تقويض حل الدولتين".
اللاساميون توسعوا في ذلك وقالوا بأنه إذا كانت إسرائيل تقوم بانتهاك دورها في صفقة الرزمة وتمس بحقوق الفلسطينيين الموجودين تحت احتلالها، فإنه يمكن أيضا انتهاك الجزء الذي يضمن عدم المس بـ"حقوق اليهود ومكانتهم السياسية في أي دولة في العالم".
لا يمكن صد أي دعوى من خلال وصفها كلاسامية أو أنها تنبع عن الجهل، حتى لو كان عدد كبير من هذه الدعاوى هو كذلك. يتبين أنه رغم وجود من يحاولون ضعضعة النظام الدولي القائم، الذي يرتكز إلى مبدأ تقرير المصير ورفض الاحتلال، مثل الرئيس الروسي فلادمير بوتين في أوكرانيا، فإن المجتمع الدولي ما يزال يتمسك بالنظام القائم.
إسرائيل يجب عليها التقرير، هل ستختار حل الدولتين الذي يتناسب مع القرارات الدولية منذ العام 1937 (لجنة بيل) أم أنها ستختار دولة واحدة فيها مساواة في الحقوق، حسب تعهد الحركة الصهيونية في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل في 1897، وهو أن "الصهيونية تطمح إلى إقامة وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، يضمنه قانون الشعوب". أي انحراف عن هذا التعهد من قبل حكومة إسرائيل الحالية يلغي "عدالة قضيتنا" ويفتح المجال أمام المجتمع الدولي لتأسيس نظام جديد في فلسطين/ أرض إسرائيل الانتدابية، بما في ذلك دولة واحدة، التي خلال فترة قصيرة ستكون فيها أكثرية عربية.
MENAFN13092024000072011014ID1108672797