Tuesday, 20 August 2024 11:22 GMT



معضلة الانتخابات الأميركية: ترامب أم هاريس؟

(MENAFN- Alghad Newspaper) شون أوغرايدي* - (إندبندنت عربية) 2024/8/14

قرار بايدن بالتنحي كان صائباً، فيما يؤكد رد فعل ترامب عليه عدم نضجه وفقدان توازنه. يجعل هذا ترشيح هاريس أكثر جاذبية لأنها تمثل مستقبلاً أكثر إشراقاً لأميركا، بينما يجسد ترامب جانبها المظلم. وقد يشعر كثيرون بأن الوقت قد حان لأن تتولى امرأة زمام الرئاسة في البلاد.
***
يبدو أن وحدة الأميركيين أصبحت الآن في مهب الريح. ففي "المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري"، بذل الرئيس السابق دونالد ترامب أثناء إلقاء كلمة قبوله ترشيح الحزب له لخوض الانتخابات -أو على الأقل كاتبو خطاباته- جهداً ملحوظاً لتقديم صورة عن "ترامب الجديد" New Trump الذي وعد به بعد محاولة اغتياله.
في الخطاب، تطرق بصورة عابرة للرئيس جو بايدن في فقرة مقتضبة وصفه فيها على نحو ساخر بأنه من أسوأ الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، حين قال إن "الضرر الذي ألحقه بهذا البلد يفوق التصور، لا بل لا يمكن تصديقه".
يشكل هذا الموقف من ترامب في الحقيقة مثالاً لما يسميه علماء النفس حال "الإسقاط". ويقوم ترامب الذي يحمل هو، بلا جدال، لقب "أسوأ رئيس في التاريخ" (ويسعى الآن إلى الاستفادة من فرصة أخرى لتعزيز هذه السمعة وتثبيت اللقب إلى الأبد)، بإسقاط عيوبه الخاصة على جو بايدن.
وكما هو متوقع، كان الرئيس السابق أكثر وقاحة من المعتاد في التصريح الذي ألقاه بعد إعلان بايدن قراره التنحي عن الترشح. ففي تعليق موجز وفظ وحاقد، ذكّر ترامب الناخبين الأميركيين بالسبب الذي دفعهم إلى رفضه في انتخابات العام 2020. وبينما اعتبَر أن بايدن "غير لائق" للخدمة، كان ترامب في الواقع هو الذي حرض على التمرد، وأدين في محاكمة مدنية بتهمة الاعتداء الجنسي، وأصبح في نظر القضاء مجرماً مداناً.
يصف ترامب، صاحب السلوك الطفولي وغير الناضج، بايدن بـ"جو الفاسد"، على الرغم من أنه غارق هو نفسه في مشكلات قانونية أمام المحاكم. ويدعي أن رئاسة جو بايدن هي نتيجة سلسلة من "الأكاذيب"، مع أن ترامب بالذات هو الذي لا يستطيع أن ينطق بجملة واحدة من دون تشويه الحقيقة أو إطلاق الأكاذيب.
إن ادعاء دونالد ترامب السابق والمستمر الذي يروج له بأن انتخابات العام 2020 كانت مزورة وسُرقت منه، هو ادعاءٌ لا أساس له من الصحة مثل الكثير من ادعاءاته الأخرى. وغني عن القول أيضاً إن مسألتي عبور ملايين المهاجرين الحدود إلى الولايات المتحدة، وخروج كثيرين منهم من "سجون ومؤسسات الرعاية العقلية"، هما مجرد ادعاءات لا صحة لها على الإطلاق.
في جوهر الأمر، تعكس جميع الاتهامات التي يوجهها ترامب إلى بايدن الذنوب التي ارتكبها هو -وفي كثير من الأحيان بدرجة أكبر بكثير. ومنذ حادثة الرصاصة التي أصابت أذنه، واصل سلوكه المعهود الذي أضاف إليه الآن إحساساً وهمياً بالرعاية الإلهية له.
وقال ترامب في "المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري" الأخير: "إنني أقف أمامكم... بنعمة الله القدير". ومع أن ذلك قد يكون صحيحاً، لكن صدور هذا الكلام عن ترامب المعروف بسلوكه الاستبدادي، يحمل في طياته تلميحاً خفياً إلى ما يُعرف بـ"الحق الإلهي للملوك" (اعتقاد تاريخي بأن الملوك مُنحوا سلطة مباشرة من الله للحكم). يبدو أن "الله" يعمل فعلاً بطرق يستعصي علينا فهمها.
إن ما يبرز حقاً في التصريحات الفظة لدونالد ترامب أكثر من أن شيء آخر، هو ما يشبه رد فعل طفل حانق أُخذت منه للتو لعبته المفضلة. فقد كان ترامب والمرشح الذي اختاره ليكون نائبه، جي دي فانس، وفريقهما يتطلعون بصبر نافد إلى بضعة أشهر يقومون خلالها باستغلال نقاط ضعف جو بايدن ومهاجمته و"الديمقراطيين"، على هفواته العقلية المزعومة.
وبدت هذه الاستراتيجية وكأنها طريقة أكيدة للفوز بالانتخابات. لن يحتاج ترامب وفريقه إلى مناقشة قضايا مثل الإجهاض أو حقوق الإنجاب للنساء، إذ يمكنهم ببساطة تسليط الضوء على كل زلة أو خطأ ارتكبه بايدن. ولن يُضطروا كذلك إلى الإقرار بتقديم تنازلات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأن تركيز الناخبين سيكون منصباً على ما إذا كان بايدن قادراً على التعامل مع الأزمة.
في المقابل، من المرجح أن يتلاشى تردد ترامب في تأكيد التزامه قبول نتائج الانتخابات، بمجرد أن يتضح أنه سيهزم "جو (بايدن) النعسان"، كما يسميه، على أي حال. لكن القرار الحكيم الذي اتخذه الرئيس بايدن أفقد ترامب إمكانية التصويب عليه وتوجيه الركلات إليه -في هذا الإطار يمكن استعارة اقتباس من أحد الرؤساء الأميركيين السابقين، ريتشارد نيكسون الذي قال بعد استقالته: "لن يكون لديكم نيكسون لتركلوه بعد الآن" -وبدلاً من ذلك، سيتحول التركيز إلى عمر دونالد ترامب نفسه وحدّته العقلية ونقاط ضعفه طويلة الأمد المتمثلة في افتقاره إلى النضج العاطفي والاستقرار التي بدت واضحة بصورة صارخة في تصرفاته الأخيرة.
كثيراً ما تمنى الأميركيون أن يكون هناك خيار بديل غير المنافسة بين بايدن وترامب، والآن أصبحت لديهم مرشحة أصغر سناً وأكثر نضجاً من المتنافسَين القديمَين والأكبر سنَاً اللذين اعتادوا عليهم. وفي هذا الإطار، يبدو أن النظام يعمل على النحو المنشود إلى حد ما.
أياً كان الأمر، فإن كامالا هاريس تمثل بداية جديدة، وقد يشعر كثيرون بأن الوقت قد حان لأن تتولى امرأة زمام الرئاسة في البلاد. وبالمقارنة مع زيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، يبدو أن هاريس تتمتع بشخصية أكثر جاذبية. وقد يتبين لدونالد ترامب الذي عانى تاريخياً من النساء القويات، أن التعامل مع هاريس يشكل تحدياً صعباً له، كما كان الحال مع نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب التي كانت تدفعه إلى الجنون.
قريباً سيجد الناخبون الأميركيون أنفسهم أمام خيار شخصي مهم. وبينما يسخر دونالد ترامب من كامالا هاريس بسبب سلوكها البهيج ويصفها بـ"كامالا الضاحكة" ويزعم أنها "مجنونة"، فإن كثيرين ربما يجدونها أفضل بكثير من وجهه العابس.
فهاريس تتميز بابتسامتها وتفاؤلها وشبابها وطبيعتها الواضحة وذكائها الحاد، وتقف على تناقض صارخ مع الرئيس السابق. ومع ترشحها للرئاسة، تذكر انتخابات العام 2024 في الولايات المتحدة الرأي العام البريطاني بالصراعات بين رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، المتبجح آنذاك في منصبه، وكير ستارمر -المدعي العام السابق مثل كامالا هاريس- الذي تفوق باستمرار على جونسون، وتمكن في النهاية من إلحاق الهزيمة به.
تبقى الإشارة أخيراً إلى أن دونالد ترامب يجسد الجوانب الأكثر إزعاجاً وإثارة للقلق في الولايات المتحدة، في حين أن هاريس تمثل بديلاً أكثر إشراقاً وأملاً. ومن المرجح أن يكون كثير من الأميركيين حريصين على احتضان هذا المستقبل الأكثر تفاؤلاً لبلدهم.

*شون أوغرايدي Sean OGrady: مساعد رئيس التحرير ومحرر اقتصادي سابق في "الاندبندنت".

MENAFN19082024000072011014ID1108576934


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

النشرة الإخبارية



آخر الأخبار