
أطفالنا والتغير المناخي.. أضرار فادحة على الصحة البدنية والعقلية'
تتفاقم خطورة أزمة المناخ على الأجنة والرضع والأطفال عموماً، مع زيادة التعرض المستمر للتلوث والكوارث الناجمة عن التغير المناخي، الأمر الذي يتسبب في أضرار فادحة في الصحة البدنية والعقلية للأطفال.
وبينما لا يسلم طفل حول العالم من التعرض إلى خطر واحد على الأقل من تبعات التغير المناخي، فإن الإحصاءات تشير إلى أن ما يقدّر بحوالي 850 مليون طفل (طفل من كل ثلاثة أطفال حول العالم) يعيشون في مناطق تتداخل فيها أربع صدمات مناخية وبيئية على الأقل مثل «الجفاف الشديد والفيضانات وتلوث الهواء وندرة المياه». كما أن مليار طفل في جميع أنحاء العالم يتعرضون لمستويات عالية جداً من تلوث الهواء، طبقاً لمنظمة اليونيسيف.
هذا ما نبهّت إليه دراسة حديثة نشرتها المجلة العلمية الأقدم الصادرة عن جمعية أطباء ماساشوستس في بريطانيا، والتي تطرقت إلى الآثار الناجمة عن التغير المناخي على صحة الأجنة والرضع والأطفال، والذين يتأثرون بشكل فريد بالتأثيرات البيئية المرتبطة بالمناخ وتلوث الهواء؛ بسبب مجموعة من العوامل البيولوجية والسلوكية، لا سيما مع عدم نضج آليات الدفاع البيولوجي والحماية المناعية بالنسبة لهم، ما يجعلهم ضمن الحلقات الأضعف في مواجهة آثار التغير المناخي الصحية والنفسية.
وذكرت الدراسة أن الرضع والأطفال يتنفسون هواءً أكثر مقارنة بوزن أجسامهم (مقارنة بالبالغين)، ما يزيد من تعرضهم لملوثات الهواء، كما أن مجاريهم الهوائية الضيقة معرضة للانقباض بسبب تلوث الهواء والمواد المسببة للحساسية.
إضافة إلى أنهم أكثر عرضة من البالغين للحرارة الشديدة بسبب ضعف وظائفهم في التنظيم الحراري في درجات الحرارة القصوى واعتمادهم على الرعاية من قبل البالغين الذين قد لا يكونون على دراية بالمخاطر.
وبحسب العالمة الأمريكية في مجال الصحة البيئية، مؤسس مركز كولومبيا للصحة البيئية للأطفال، د.فريدريكا بيريرا (مؤلفة الدراسة) فإن تغير المناخ يمثل عاملاً مضاعفاً للتهديد بالنسبة للرضع والأطفال.
وتشير إلى أن التعرض لآثار التغير المناخي يبدأ أثناء نمو رحم الأم، ويرتبط بزيادة مخاطر الولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة والموت بين الرضع.
أمراض بكتيرية
وتشير الدراسات إلى أن الحرارة المرتبطة بتغير المناخ لها آثار ضارة على الصحة العقلية للأطفال والمراهقين، كما تؤثر على قدرتهم على التعلم.
وطبقاً للدراسة، فإن الأطفال وخصوصاً الرضع، معرضون بشكل خاص للعدوى المعدية المعوية التي تسببها مسببات الأمراض البكتيرية مثل السالمونيلا في الطعام والماء. تكون هذه العدوى أكثر شيوعاً في درجات الحرارة المحيطة المرتفعة التي تعزز تكاثر البكتيريا.
ويرتبط تغير المناخ بمخاطر متزايدة للعديد من الأمراض المنقولة بالنواقل، بما في ذلك الملاريا وحمى الضنك وعدوى فيروس زيكا وداء لايم، في مناطق معينة بسبب التغيرات في مدة موسم الانتقال والانتشار الجغرافي لناقلات المرض.
كما ارتبط التعرض قبل الولادة وبعدها للعديد من ملوثات الهواء بانخفاض الإدراك، ومشكلات الانتباه، واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، وصفات التوحد في مرحلة الطفولة.
وتشير الدراسة إلى أن تلوث الهواء يعد سبباً معروفاً لنوبات الربو لدى الأطفال المصابين بهذا المرض كما أنه عامل خطر للإصابة بالتهابات الجهاز التنفسي والتهاب الشعب الهوائية وضعف نمو ووظيفة الرئة.
وطبقاً للدراسة، يعاني الأطفال أيضاً من المزيد من نوبات الحساسية والربو من زيادة مستويات الملوثات المحمولة في الهواء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون.
كما تشير الأبحاث الوبائية الحديثة إلى أن تلوث الهواء هو أيضاً عامل خطر لحالات الصحة العقلية لدى الأطفال والمراهقين؛ فقد وجدت علاقة بين الأطفال الذين تعرضوا لمستويات أعلى من تلوث الهواء في الهواء الطلق وزيادة احتمالات الإصابة باضطراب اكتئابي كبير في سن 18 عاماً.
الكوارث الطبيعية
وجه آخر لتأثر الأطفال بالتغير المناخي، تلفت إليه بيريرا في دراستها، مرتبط بالفيضانات والأعاصير الكبرى، والتي تتسبب في الغرق والإصابات الجسدية والصدمات النفسية لدى الأطفال، فضلاً عن النزوح والصدمات النفسية للأطفال والتأثير على التعلم لا سيما في البلدان ذات الدخل المنخفض «وقد أسهمت الأحداث المتعلقة بالمناخ بالفعل في إجبار أكثر من 50 مليون طفل في جميع أنحاء العالم على مغادرة منازلهم».
ذلك بخلاف تأثير حرائق الغابات على الأطفال «مثال على ذلك: نحو 7.4 ملايين طفل في الولايات المتحدة تعرضوا لدخان حرائق الغابات المدمر للرئة كل عام بين عامي 2008 و2012 وقد زاد هذا العدد في السنوات الأخيرة».
وتم ربط التعرض لدخان حرائق الغابات في الرحم بانخفاض الوزن عند الولادة والولادة المبكرة. ويرتبط التعرض في مرحلة الطفولة بتفاقم الربو والأزيز والالتهاب الرئوي والتهاب الشعب الهوائية.
كما أن الأطفال معرضون بشكل خاص لآثار النزوح بسبب الكوارث المناخية، وبالتالي هم عرضة للإصابة الجسدية والصدمات النفسية نتيجة إجبارهم على مغادرة منازلهم. كما يعاني العديد من الأطفال من الأمراض المبكرة المرتبطة بالتغير المناخي.
والأطفال أكثر عرضة من البالغين للإصابة بالكوليرا وغيرها من أمراض الإسهال المعدية بسبب تلوث المحاصيل والمياه من العواصف والفيضانات.
ونبهت الدراسة إلى تأثير موجات الجفاف المرتبطة جزئياً بتغير المناخ «لا سيما في أمريكا الوسطى والجنوبية وأفغانستان وأجزاء أخرى من آسيا وأستراليا وأفريقيا جنوب الصحراء وجنوب شرق الولايات المتحدة».
يتزامن ذلك وما تشهده البلدان النامية، من خطر انعدام الأمن الغذائي الناتج عن ذلك إلى زيادة حادة في سوء التغذية، ما تسبب في توقف النمو البدني والعقلي للأطفال، وما يصاحبه من مشكلات سلوكية وإدراكية. بالإضافة إلى الآثار البيئية للجفاف المرتبط بالمناخ على الإمدادات الغذائية نفسها.
وبينما تلفت مؤلفة الدراسة إلى التفاوت الكبير في التعرض لآثار التغير المناخي بالنسبة للأطفال بين الدول ذات الدخل المرتفع والمنخفض، فإنها نبهت إلى أثر التغير المناخي في تفاقم أوجه عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والعرقية في صحة الأطفال والمرتبطة بالعنصرية الهيكلية.
المواجهة والتكيف
ووضعت الدراسة مجموعة من الحلول، على جبهتين «التكيف والمواجهة الجذرية»، وفي سياق حلول التكيف تشمل تدابير حماية الأطفال «توفير المياه النظيفة للأطفال والأسر التي تواجه الجفاف وتلوث المياه، وتوفير أنظمة الإنذار المبكر للفيضانات وتلوث الهواء، إضافة إلى التدريب على الاستجابة للكوارث والتخطيط لإخلاء العائلات والأطفال، توفير المناطق المظللة، حيث يلعب الأطفال ويعيشون ويذهبون إلى المدرسة، وتوفير الناموسيات لحماية الأطفال من الملاريا وحمى الضنك».
أما لجهة تدابير المواجهة أو التخفيف من حدة آثار التغير المناخي، فترتبط بالاستراتيجيات الفعّالة التي يتم تنفيذها في أجزاء مختلفة من العالم؛ للتخفيف من تغير المناخ وتقليل تلوث الهواء. تشمل هذه الاستراتيجيات السياسات التي تسهل التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة كفاءة الطاقة، وتعزيز عزل الكربون الطبيعي، وتقوية شبكة الأمان الاجتماعي.
وتشير الدراسة إلى فوائد صحية كبيرة متوقعة للأطفال وما يرتبط بها من وفورات اقتصادية لبعض استراتيجيات التخفيف والتكيف مع تغير المناخ وتلوث الهواء «على سبيل المثال خطط تقليل الانبعاثات، والتحول إلى الحافلات المدرسية ذات الديزل المنخفض، والتوسع في غرس الأشجار»، إذ يمكن للسياسات الحكومية التي استهدفت بشكل مباشر الانبعاثات الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري أن تفيد صحة الأطفال وتوفر التكلفة.
الأطفال في خطر
وفي السياق، يلفت مستشار الاتحاد الدولي لمكافحة أمراض الرئة وعضو الاتحاد الدولي لمكافحة العدوى، استشاري التوعية الصحية الدكتور وائل صفوت، في تصريحات خاصة لـ «البيان» إلى تأثير التغير المناخي الحاد على مستويات عدة؛ وبشكل خاص ما يرتبط بالأمراض الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك الحال بالنسبة لارتفاع معدلات تلوث الهواء، وأيضاً ما يتعلق بتبعات التغير المناخي لجهة تلوث المياه والغذاء وتأثير ذلك على الأمن الغذائي.
ويعتبر الأطفال ضمن الحلقات الأضعف الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية وتعرضاً للأمراض المرتبطة بتلك التبعات، لا سيما مع ضعف مناعتهم، في وقت يشير فيه صفوت إلى الأضرار البالغة التي تلحق بالجهاز المناعي ضمن الأمراض المرتبطة بأزمة المناخ، ومع الاحترار العالمي وحالة الإجهاد الحراري «وهي حالة طبية طارئة تتطلب معالجة فورية لمنع الإعاقة أو الوفاة». ويأتي الأطفال ضمن الفئات الأكثر تعرضاً للإجهاد الحراري «الذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات، إلى جاب البالغين الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً».
ويلفت مستشار الاتحاد الدولي لمكافحة أمراض الرئة في السياق ذاته إلى الأمراض المرتبطة بتلوث الهواء والانبعاثات الضارة المختلفة، ضمن أوجه التأثر بتبعات التغير المناخي. وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة تصل إلى 93% من الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 15 سنة يتنفسون هواءً ملوثاً. وذكر تقرير سابق لليونيسيف أن 300 مليون طفل يستنشقون هواءً ساماً.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن 1.8 مليار طفل حول العالم تتعرض صحتهم ونموهم للخطر الشديد جراء تلوث الهواء، وبعضهم يفقدون حياتهم جراء ذلك «في 2016 مات 600 ألف طفل بسبب الأمراض المرتبطة بالجهاز التنفسي السفلي والناجمة عن تلوث الهواء، بحسب المنظمة».
وفي السياق ذاته، وفيما يشير صفوت أيضاً إلى الأمراض المرتبطة بتلوث المياه والغذاء، ضمن قائمة الأمراض المصاحبة للتغير المناخي، والتي تهدد البشر بصفة عامة، فإن الإحصاءات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن «العدوى التي تحدث بين المواليد نتيجة لنقص المياه الآمنة والبيئة النظيفة تتسبب في حالة وفاة كل دقيقة في مكان ما من العالم»، في مؤشر شديد الخطورة يعكس حجم وآثار التغير المناخي على صحة الأطفال وسلامتهم.
القلق البيئي وإنجاب الأطفال
وبخلاف التأثيرات النفسية للتغير المناخي على الأطفال، التي ذكرتها الدراسة الصادرة حديثاً، فإن استشاري الصحة النفسية بالقاهرة الدكتور وليد هندي، قد أضاف بعداً آخر مرتبطاً بالأطفال، وهو العامل النفسي المرتبط بـ «الخوف من إنجاب الأطفال» لدى بعض الناس ممن يعانون من «القلق البيئي» وهو مرض ناجم عن التغير المناخي والخوف الشديد من تبعاته.
ويشير هندي في تصريحات لـ «البيان» إلى أن «بعض الأسر في بعض البلدان - لا سيما تلك التي تشهد ظواهر مناخية متطرفة، وكوارث مثل الأعاصير وحرائق الغابات والفيضانات - يتخوفون من فكرة إنجاب أطفال بداعي تفاقم القلق البيئي لديهم، ورفضهم لإنجاب أطفال يكونون عرضة إلى الهلاك جراء تفاقم أزمة المناخ وجراء الأعاصير أو الفيضانات أو حتى الجفاف الناجم.. يشعر هؤلاء بالذنب تجاه إنجاب أطفال في عالم مليء بالتحديات المناخية والمشكلات المستقبلية». يتزامن ذلك مع تأثيرات نفسية مختلفة للتغير المناخي يعاني منها الناس حول العالم.
تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
واشنطن تكتفي بالتعازي... ولا قرار حول المساعدات بعد زلزال أفغانستان
تزامنًا مع عمرة المولد النبوى الشريف.. ملايين المعتمرين فى صحن الطواف.. تسهيلات لمؤدى المناسك عبر نسك عمرة.. إمكانية تصميم الباقات وفق رغبات المعتمر.. والسعودية: أكثر من 15 مليون معتمر خلال الربع الأول 2025
باش هاوس تعالج واحدة من أندر المشكلات التقنية على منصات ميتا لشركة بلاك أند الكويتية
وزارة الصحة: تراجع متوسط انتظار الحضانات من 20 ساعة إلى 7 ساعات
القنوات الناقلة لمباراة الأردن وتايبيه في تصفيات كأس آسيا تحت 23 عاما
شاهد.. وفاة حارس مرمى بعد تصديه لركلة جزاء