(
MENAFN- Alghad Newspaper)
زايد الدخيل
عمان - فيما عاد الهدوء أمس إلى مناطق حمص، حماة، اللاذقية، طرطوس، ودمشق، بعد أن شهدت توترا أمنيا عقب احتجاجات نفذها أبناء الطائفة العلوية، اعتراضا على فيديو قديم يظهر حرق ضريح لأحد شيوخ العلويين والموجود في مدينة حلب، تخلله تعرض قوات الأمن في قرية خربة المعزة لكمين، لقي فيه 14 عنصراً حتفهم، وأصيب 10 آخرون، يرى مراقبون أن سورية أمام مفترق طرق في مواجهة الفوضى الأمنية أو بسط سيطرة الأمن وحل الفصائل المسلحة المنتشرة على مساحة البلاد التي تبلغ أكثر185 ألف كلم2.
ويقول هؤلاء في أحاديث منفصلة لـ" الغد"، إن المشهد السوري متغير بشكل دراماتيكي في ظل وجود تعقيدات كبرى في مسألة حل الفصائل المسلحة، مؤكدين ضرورة إتمام عملية الحل والدمج لتلك الفصائل رغم العوائق، لأنها مهمة في ترسيخ عهد جديد، وخطوة مهمة في مسار طمأنة الداخل السوري والمجتمع الدولي.
وبحسب وكالة الأنباء السورية (سانا)، أطلقت قوات إدارة العمليات العسكرية ووزارة الداخلية، عملية بريف طرطوس لضبط الأمن والسلم الأهلي وملاحقة ما سمتها فلول مليشيات الأسد في الأحراش والتلال بريف المحافظة.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبو زيد، إن سورية الجديدة تواجه تحديا كبيرا بإعادة بناء الجيش والأجهزة الأمنية، مشيرا إلى أن قرار الحكومة الانتقالية بدمج الفصائل المسلحة بوزارة الدفاع قد يخلق مشاكل كبيرة في البنية الهيكلية للجيش، لأن الهياكل التنظيمية للجيوش تختلف عن الهياكل التنظيمية للفصائل والمليشيات المسلحة.
ولفت أبو زيد إلى أن عملية دمج الفصائل المسلحة ذات التباين الأيديولوجي قد تخلق نواة لفكر المحاصصة الطائفية أو الأيديولوجية، وهذا الأمر كفيل بتفتيت الجيش الجديد وخلق صراعات وهذه مخاطرة قد تؤدي إلى اقتراب سورية الجديدة من النموذج العراقي في إعادة بناء الجيش عام 2003، حيث خلق ذلك مليشيات مسلحة توغلت على القرار العسكري.
وأضاف أبو زيد، بأن تعيين وزير الدفاع مرهف أبو قصرة المعروف أبو حسن الحموي جاء لاعتبارات عقائدية حيث كان أبو قصرة قائد الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام، مشيرا إلى أن عقلية التنظيم تختلف عن عقلية إدارة الدولة والجيش، وأبرز التحديات التي ستواجه الحكومة الانتقالية بإعادة بناء الجيش هي الهيكلية التنظيمية، حيث لا تصلح عملية دمج الفصائل المسلحة بالجيش جراء اختلاف البنية التنظيمية والولاءات لاعتبارات أيديولوجية واجتماعية.
وأشار أبو زيد إلى أن الجيش السوري السابق كان يقوم على عقيدة قتالية شرقية بتنظيم رباعي مكون من 5 فيالق، و8 فرق مدرعة، و3 فرق مؤللة و3 فرق قوات خاصة بالإضافة لإسنادها القياسي، بالتالي فإن أي تحول في الهيكل التنظيمي يعني تحولا في العقيدة القتالية وهنا ستكون مخاطرة أخرى تتطلب إعادة بناء عقيدة قتالية جديدة تتطلب سنوات.
وقال أبو زيد بأن العرض الذي قدمه الجانب التركي بتدريب القوات السورية الجديدة يعطي مؤشرا إلى أنه قد يكون هناك تحول في العقيدة القتالية للجيش الجديد أقرب إلى العقيدة القتالية لحلف الشمال الأطلسي "الناتو"، وبالتالي ستكون حتما البنية التظيمية للجيش حسب متطلبات التدريب التركي- إن حصل- ما يعني تغيرا جذريا في الشكل والمضمون للجيش السوري الجديد قائما على قوات خفيفة وسريعة مدربة على مكافحة الإرهاب والشغب والأمن الداخلي وحماية الحدود، أكثر من أن يكون جيشا تقليديا بعقيدة قتالية هجومية الأمر الذي قد يحتاج من 5 – 10 سنوات على أقل تقدير.
من جهته، يرى المحلل السياسي د. صدام الحجاحجة، أن عملية الحل والدمج للفصائل المسلحة ستكتمل رغم العديد من العوائق وأبرزها فلول النظام السابق، لأنها مهمة وضرورية بترسيخ عهد جديد وبسط سيطرة الدولة على الأرض السورية، كما أنها أيضا خطوة مهمة لطمأنة الداخل السوري والمجتمع الدولي على استقرار البلاد وعدم انجرارها لدوامة الفوضى.
وأكد أهمية إعادة بناء مؤسسات الدولة السورية خاصة الجيش والأجهزة الأمنية لتكون قوية ومستقلة، وضمان سيادة القانون، مع إطلاق عملية مصالحة شاملة بين الفئات والطوائف المختلفة لإنهاء الاحتقان الطائفي، وضمان مشاركة كل الفئات في الحياة السياسية والاجتماعية، والتصدي لأي تدخلات عسكرية أجنبية في سورية، حتى لا تزداد الأزمة تعقيدا وتنزلق البلاد للفوضى، داعيا المجتمع الدولي لاتخاذ موقف صارم ضد محاولات إحياء جماعات الإرهاب في سورية باعتبار ذلك يشكل خطورة كبيرة على مستقبل سورية والمنطقة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأشار إلى أهمية دعم السوريين لمؤسساتهم الوطنية والحفاظ على وحدة بلادهم وسيادتها ورفض أي محاولات للتدخلات الأجنبية، داعيا الدول العربية لتقديم الدعم اللازم للشعب السوري وتعزيز الجهود الإغاثية والإنسانية لتخفيف معاناته حتى يتمكن من عبور هذه المرحلة والانتقال إلى مرحلة الاستقرار والأمن التي يتطلع إليها كل سوري في الداخل والخارج.
وشدد على ضرورة التوافق لحل الخلافات العالقة بين قادة الفصائل، بخاصة بعد حصولهم من قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع على ضمانات، بأن يكونوا ضمن جيش جديد غير محسوب على أي طرف، وأن تراعى أوضاعهم وأدوراهم بإسقاط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
بدوره، يقول عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة د. محمد فهمي الغزو، إن سورية تقف أمام معضلة وجودية، ولا بد من الخروج سريعا من الدائرة المفرغة التي تكرست خلال سنوات، وضرورة توجيه رسائل طمأنة لمن يخشى سيناريو الحرب الأهلية.
وتابع: لا شك أن سورية أبعد ما تكون عن سيناريو أفغانستان، والشعب السوري والقيادة الحالية تبدو قادرة على تجاوز كل مخلفات نظام الرئيس السابق، وما شهده من قمع واستبداد وطائفية عانى منها في العقود الأخيرة.
وعبر الغزو عن قلقه حول مستقبل الجيش السوري الذي يدور حوله رغبات بحله وتفكيكه وتبديله بكيان آخر مسلح، ومخاوف من تبعات حالة الفوضى التي خلفها نظام الأسد، إذ إن أكبر التحديات التي تشكل تهديدا وقلقا حول مستقبل سورية هو التعامل مع الفوضى التي خلفها سقوط نظام الأسد في ظل ترك السلاح بأيدي فلول تابعة له، فضلا عن وجود السلاح بأيدي مواطنين، سواء كانوا موالين أو معارضين، ما يشكل خطرا كبيرا على جموع المدنيين، الأمر الذي يتطلب ضرورة تنظيم قوات الجيش والشرطة والإدارة المحلية، والعمل على ترتيب مؤسسات الدولة، حتى يكون هناك نوع من الأمن والاستقرار.
MENAFN26122024000072011014ID1109032910