السعودية تعزّز دفاعاتها السيبرانية لمواكبة تطور مشهد التهديدات العالمي في عصر الذكاء الاصطناعي
يسلّط قادة الأمن السيبراني الضوء على دور الاستثمار والجاهزية لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتنمية المهارات في تعزيز مرونة المملكة الرقمية وتسريع تحقيق مستهدفات "رؤية 2030"
يشهد الأمن السيبراني في المملكة العربية السعودية تحولاً جذرياً، مدفوعاً بوتيرة التحول الرقمي المتسارعة، والمشاريع الوطنية العملاقة، والاتساع المستمر في البنية التحتية السحابية، إلى جانب الابتكار المتزايد في تطبيقات الذكاء الاصطناعي. وقد أسهمت هذه العوامل مجتمعة في ترسيخ الأمن السيبراني كأولوية وطنية تتجاوز نطاقه الفني إلى كونه عنصراً استراتيجياً ضمن مستهدفات التنمية الشاملة. وفي تصريحات خاصة لصحيفة "الوطن"، أكد عدد من قادة القطاع أن منظومة الحماية السيبرانية في المملكة تشهد تطوراً ملحوظاً، مشيرين إلى أن الاستثمار في تعزيز المرونة السيبرانية لم يعد خياراً، بل أصبح ركيزة أساسية الآن لتحقيق طموحات "رؤية المملكة 2030" على المستوى الاقتصادي.
وفي هذا السياق، قال مارك ثورموند، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "تينابل" Tenable، إن الأمن السيبراني أصبح يشكّل عنصراً محورياً في دعم الاستقرار على المستوى الوطني، خصوصاً في ظل التوسّع المتسارع للبنى الرقمية ضمن مشاريع المملكة الطموحة مثل "نيوم" و"ذا لاين" و"الدرعية".
وأضاف: "تشهد بيئات الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي توسعاً سريعاً، ما يؤدي إلى اتساع سطح الهجوم السيبراني،ويجعل من الضروري تعزيز الدفاعات السيبرانية لحماية قطاعات أساسية مثل الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والمرافق العامة، وغيرها من القطاعات الحيوية".
وشدّد على أن تعزيز الأمن السيبراني يسهم في ترسيخ ثقة المستثمرين، وتسريع وتيرة الابتكار، والحد من التحديات التي قد تعيق تنفيذ المشاريع الرائدة في المملكة العربية السعودية.
وتابع ثورموند قائلاً: "في ظل توقّعات بتجاوز الخسائر العالمية الناتجة عن الجرائم السيبرانية 12 تريليون دولار بحلول عام 2030، فإن تبنّي نهج استباقي لإدارة المخاطر يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي يُعزّز قدرة المملكة على التصدي للتهديدات، ويُرسّخ أسس الازدهار الاقتصادي المستدام على المدى البعيد".
وتُشدّد "تينابل" في رؤيتها على أن التوسع الرقمي المتسارع في المملكة يتطلب تبني نهج دفاعي استباقي يستند إلى المعلومات الاستخباراتية، خصوصاً عبر توظيف التقنيات الناشئة. ومع ذلك، فإن حماية مستقبل المملكة يعتمد أيضاً على تحصين البنية التحتية الصناعية والمادية التي تُشكّل العمود الفقري للمدن الذكية والمرافق الحيوية والمنشآت الوطنية. ومن هنا تبرز الأهمية المتزايدة لأمن تقنيات التشغيل (OT) وإنترنت الأشياء (IoT)، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في دعم استراتيجية المملكة للصمود السيبراني، وهما من المجالات التي توفر فيهما "نوزومي نتووركس" Nozomi Networks رؤى معمّقة وحلولاً متقدّمة.
وفي هذا الإطار، أكّد معاذ السويلم، المدير الإقليمي للمبيعات في شركة"نوزومي نتووركس"، أن الاستثمار في الأمن السيبراني يُسهم بشكل مباشر في دعم الاستقرار الوطني من خلال حماية البنية التحتية الحيوية مثل قطاع الطاقة والمرافق العامة ووسائل النقل. إذ يضمن تعزيز أمن هذه الأنظمة استمرارية الخدمات دون انقطاع، ويُحصّن الاقتصاد من الاضطرابات المكلفة.
وتابع قائلاً: "من خلال منصاتنا المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل Vantage IQ وGuardian Air، نُمكّن المؤسسات من تحقيق رؤية شاملة وفورية عبر بيئات تقنيات التشغيل (OT) وإنترنت الأشياء (IoT)، إلى جانب أتمتة عمليات الكشف عن التهديدات وتسريع الاستجابة للحوادث. وهذا النهج الاستباقي لا يقتصر على تأمين الخدمات الحيوية فحسب، بل يعزّز أيضاً ثقة المستثمرين، مما يتيح ازدهار قطاعات مثل المدن الذكية وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة "الصناعة 4.0". فالأمن السيبراني يعزز الثقة، والثقة هي الأساس لتحقيق نمو اقتصادي مستدام".
وتُجدد "نوزومي نتووركس" التأكيد على أهمية تحصين البنية التحتية الصناعية والتشغيلية للمملكة، غير أن تعزيز الصمود السيبراني يتطلب أيضاً توسيع نطاق الحماية ليشمل النظام الرقمي الأوسع الذي يدعم أنشطة الأعمال، والخدمات الحكومية، والحياة اليومية للمواطنين. فمع تسارع وتيرة التفاعلات الرقمية، وتزايد أعباء العمل السحابية، والاعتماد المتنامي على التطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تبرز تهديدات جديدة تشكّل بيئة خصبة لنشاط مجرمي الإنترنت، ما يجعل من تبنّي حماية مؤسسية شاملة أولوية ملحّة أكثر من أي وقت مضى. وهنا يأتي دور شركة "سوفوس"Sophos في تقديم إرشادات استراتيجية قيّمة تستند إلى منظور مؤسسي شامل.
وأوضح هاريش تشيب، نائب الرئيس للأسواق الناشئة في الشرق الأوسط وأفريقيا لدى "سوفوس"، أن الصمود السيبراني يشكّل عنصراً محورياً في حماية الأصول الوطنية وتعزيز نمو الاقتصاد الرقمي في المملكة العربية السعودية. وأشار إلى أنه في ظل تعرّض 74 % من المؤسسات في المملكة لهجمات تصيّد إلكتروني خلال العام الماضي، وإبداء 49 % منها مخاوفها من هجمات الفدية، باتت الحاجة إلى حلول أمنية شاملة ومتعددة الطبقات ضرورة استراتيجية لا تحتمل التأجيل.
ولفت تشيب إلى أن تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي أصبح واسع النطاق، مؤكداً على أهمية ترسيخ ممارسات "الأمن منذ التصميم" لضمان حماية مسارات البيانات، وسلامة النماذج، وضوابط التحكم في الوصول.
وأضاف تشيب: "يجب استخدام الذكاء الاصطناعي أيضاً في الجانب الدفاعي، لرصد السلوكيات غير الطبيعية، والتصدي للتهديدات الناشئة مثل التزييف العميق (Deepfakes)، وأتمتة آليات الاستجابة. وتُسهم الشراكات مع مزوّدي خدمات الأمن المدارة في مساعدة المؤسسات على معالجة جوانب القصور في قدراتها التقنية، والحفاظ على مستوى عالٍ من الصمودالسيبراني مع تزايد تعقيد التهديدات المدعومة بالذكاء الاصطناعي".
وفي الوقت الذي تؤكد فيه "سوفوس" أهمية تبنّي منهجية "الأمن منذ التصميم" وتطوير استراتيجيات دفاعية أكثر ذكاءً، فإن التوسع السريع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي يفرض تحديات جديدة ومعقدة تستدعي استجابة فورية من قبل المؤسسات. ومع التوجّه المتزايد نحو العمليات المؤتمتة وسير العمل المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تبرز الحاجة إلى نموذج أمني يرتكز على الهوية، والثقة، وحوكمة الآلات. وهنا توفّر "سينتينل وان" SentinelOne رؤى معمّقة حول حماية بيئات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع.
وفي هذا السياق، حذّر عز الدين حسين، المدير الإقليمي الأول لهندسة الحلول في "سينتينل وان"، من أن الذكاء الاصطناعي، رغم ما يوفره من مكاسب على صعيد الكفاءة، يؤدي في الوقت ذاته إلى توسيع نطاق سطح الهجمات وتسريع وتيرة التهديدات المؤتمتة.
وأضاف حسين: "يتعيّن على المؤسسات تأمين كل طبقة من منظومة الذكاء الاصطناعي، بدءاً من النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs)، وأدوات المساعدة في البرمجة، وصولاً إلى سير العمل القائم على الوكلاء، وذلك من خلال تطبيق ضوابط صارمة، تشمل أنظمة الحماية، وتنقيح المحتوى، وآليات الحفاظ على سرية البيانات، للحد من أي إساءة استخدام محتملة".
غير أن حلول الحماية التقنية والمدعومة بالذكاء الاصطناعي لا تكتسب فعاليتها الحقيقية إلا بقدر كفاءة الكوادر التي تديرها. وفي الوقت الذي تعتمد فيه المؤسسات في المملكة العربية السعودية على منصات الجيل الجديد ونماذج الأمن المؤتمتة، يتزايد الطلب على كوادر عالية التأهيل في مجال الأمن السيبراني. ويُعد تطوير المهارات بما يواكب وتيرة التهديدات المتجددة ركناً أساسياً في بناء منظومة صمود سيبراني وطنية شاملة، وهو المجال الذي يؤدي فيه معهد "سانز" SANS دوراً محورياً.
وقال ند بلطه جي، المدير التنفيذي لمعهد سانز في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا، إن "ريادة المملكة العربية السعودية على مستوى العالم في مجال الأمن السيبراني، والتي انعكست في تصدّرها تقرير التنافسية العالمي لعام 2025 الصادر عن "المعهد الدولي لتطوير الإدارة" (IMD)، تعود إلى استثمارات استراتيجية طويلة الأمد وتركيز فعّال على تطوير الكفاءات الوطنية. وأكد أن المتخصصين في الأمن السيبراني بحاجة إلى مسارات مهنية واضحة، مدعومة ببرامج تعليمية منظّمة ومبنية على الأدوار الوظيفية، لا سيما مع التطور المستمر في متطلبات الوظائف على مستوى المنطقة".
وتابع قائلاً: "تتوافق برامج التدريب التي يقدمها معهد "سانز" بشكل كامل مع "إطار عمل القوى العاملة في الأمن السيبراني السعودي" (SCyWF)، بما يضمن تزويد المتخصصين بالمهارات المطلوبة وفقاً للوظائف المحددة على المستوى الوطني".
وختم بلطه جي أن تمكين الكفاءات الوطنية السعودية يُعد أمراً أساسياً لحماية البنية التحتية الحيوية، ودعم الخدمات الحكومية، وتعزيز جاهزية المملكة السيبرانية بما ينسجم مع مستهدفات "رؤية السعودية 2030".
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment