عن فرص عودة الحرب إلى لبنان وغزة بقلم د. سنية الحسيني
في لبنان، يعتقد عدد من المتابعين والمحللين أن التصعيد الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة يشير إلى احتمال عودة للحرب مع لبنان، إلا أن مؤشرات أخرى تشير لعكس ذلك. فالتصعيد الاسرائيلي الميداني لم يتوقف منذ بدء سريان الهدنة بوتيرة متباينة، وإن اشتداده لا يعني بالضرورة نية إسرائيل استئناف حرب واسعة. على الجانب الآخر، تشير المعطيات الميدانية إلى تخفيض عدد جنود الاحتياط على الجبهة الشمالية، وإلغاء أوامر استدعاء سابقة، وبدء تسريع عودة المستوطنين اليهود لمستوطنات الشمال، بالقرب من الحدود اللبنانية. ويبدو من تصريحات نتنياهو وأركان حكومته، وخبراء إسرائيليين عسكرين أن إسرائيل تفضل إخضاع الحكومة اللبنانية للضغط لإجبارها على نزع سلاح حزب الله بالكامل، وعدم الاكتفاء فقط بما نصت عليه شروط الهدنة الأخيرة. وارتبطت شروط هذه الهدنة، المتعلقة بسلاح حزب الله بالقرار الأممي ١٧٠١، الذي يشير إلى نزع سلاح الحزب من منطقة جنوب الليطاني، وهو ما التزمت به الحكومة اللبنانية، بتفاهم مع حزب الله. إلا أن المبعوث الأميركي للشرق الأوسط وضع شرطاً صريحاً على الحكومة اللبنانية بضرورة حظر سلاح الحزب في الأراضي اللبنانية كافة، وهو ما يتطابق مع مطالب إسرائيل العلنية، وإلا ستخضع لمزيد من الهجمات الإسرائيلية وعقوبات اقتصادية، في بلد لا يزال يعاني من آثار الحرب. وتواصل إسرائيل ضغوطها على الدولة اللبنانية بمواصلة خرق مسكوت عنه للهدنة وشن مزيد من الغارات اليومية على لبنان. كما تستمر إسرائيل بالتواجد في خمسة مواقع جديدة داخل الأراضي اللبنانية احتلتها بعد الحرب، داخل الأراضي اللبنانية، وتعمل على تغيير واقعها الجغرافي، وكأنها ترتب للبقاء فيها، رغم نص بنود الهدنة بضرورة الانسحاب منها، هذا بالإضافة لاحتفاظها بالأراضي التي كانت تحتلها قبل الحرب. وتقوم إسرائيل كذلك باستهداف الأراضي الزراعية وتحركات المواطنين اللبنانيين في قرى الجنوب، لتعطيل عودتهم للحياة الطبيعية، في مستوى آخر من مستويات الضغط على الحكومة اللبنانية. لذلك يبدو أن إسرائيل وبالتعاون مع الولايات المتحدة قد قررت الاكتفاء بما حققته من إنجازات ميدانية في حربها الأخيرة على لبنان، ولا تنوي الاستمرار في حرب شاملة، تتطلب تواجداً برياً للقضاء على حزب الله، وتعتمد وحليفتها الأميركية على استراتيجية الضغط على الحكومة اللبنانية، لتحقق بذلك ما لم تحققه في الحرب بالقضاء على سلاح حزب الله. وفي النهاية، يعد ذلك الأمر شأناً لبنانياً خالصاً، يقرره الشعب اللبناني، والحكومة والأحزاب اللبنانية فقط، ووفق مصلحة البلاد، ولا يحق لأي طرف خارجي مهما كان أن يستغل أزمة لبنان الاقتصادية والإنسانية، خصوصاً بعد الحرب، لفرض شروط عليها. في حين يعد الاعتداء على أراضي الغير واحتلالها بالقوة شأناً دولياً، على قوى العالم ومنظماته التدخل لإحلال الأمن والاستقرار.
في فلسطين، يبدو الحال الفلسطيني أشد تعقيداً من لبنان، فالهدنة التي جاءت بها الولايات المتحدة ضمنت لإسرائيل خروج جميع المحتجزين الإسرائيليين الأحياء، والبحث عمن تبقى منهم تحت الأنقاض، في حين لا يزال الاحتلال في غزة يسيطر على مفاصلها، بينما يستمر القصف والاستهداف وقتل المدنيين، وآلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ناهيك عن رفض الاحتلال تسليم مئات الجثث لفلسطينيين محتجزين لديها. لا يزال الوضع القائم في قطاع غزة شديد الصعوبة، فوقف الحرب لا يُنهي الأوضاع المأساوية التي يعاني منها سكان القطاع، وقد يمكن استمرار الوضع القائم جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه. على الجانب الآخر، يعمل الاحتلال وداعموه لنزع سلاح حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى في غزة، دون القدرة على تحقيق ذلك، كما لم يتم ترتيب خطوات تشكيل لجنة فلسطينية تدير القطاع، وتحديد معطيات التدخل العربي في تلك العملية، وتبدو جميع تلك القضايا الجوهرية لاستقرار القطاع غامضة وغير واضحة. وبينما يُطلب من الفلسطينيين في الضفة المنزوعة السلاح بالإصلاح، وفي غزة المسلحة بشكل بدائي بنزع سلاحها، تواصل الولايات المتحدة الضغط على الفلسطينيين، بينما تترك إسرائيل طليقة اليد في تعطيل الحياة الفلسطينية في كافة مناحيها.
وتتطابق ذات الاستراتيجية الأميركية بالضغط على اللبنانيين كما الفلسطينيين، لتمكين إسرائيل من إنجاز ما لم تحققه بالحرب، من خلال هُدَن واتفاقيات ووقف إطلاق النار، وضغوط اقتصادية، وتصعيد إسرائيلي، بالاعتماد على عامل الزمن، في بلدين أنهكتهما الحرب.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
ضم زاحف: مخططات استيطانية واسعة بالضفة لمنع قيام دولة فلسطينية...
بقرة تتسبب في وفاة لاعب كرة قدم برازيلي...