(
MENAFN- Youm7)
ـ
يوم اغتيال حسن نصرالله بالضاحية كان الأكثر صعوبة
المرأة رمز قوة بنيان المجتمع ودلالة أساسه الصلب واستقامة أعمدته، فإذا كانت المرأة قوية أصبح المجتمع قوي البنيان.
نيران الحروب بلا شك
أكبر تحد لهذه القوة واختبار لها؛ وتأتى على أذهاننا حرب لبنان التى دخلت للتو تحت مظلة اتفاق وقف إطلاق النار ، بعد أن حصدت 3961 من أرواح أبناء لبنان؛ تاركة وراءها 16520 جريحًا ينتظرون التعافى، و
33758 نازحاً ، ومئات المنازل المهدمة .
بين ثنايا مشهد الحرب وما خلفته من دمار؛ أبرقت قوة المرأة اللبنانية فى شتى
المجالات .
من أبرز تلك المجالات عمليات إنقاذ ضحايا الغارات الجوية الإسرائيلية وإخماد النيران التى خلفتها تلك الغارات؛ وهى المهمات المنوطة بعناصر الدفاع المدنى التابعة لوزارة الداخلية.
للوهلة الأولى تظن أنها مهمات تقتصر على الرجال فقط ؛ لكن الواقع يخبرنا بأن العنصر النسائي ممثل تمثيلا كبيرا في هذا الجهاز المهم ، وستأخذك الدهشة أكثر حينما تعرف أن تلك العناصر لم تتوقف عن دورها فى عمليات الإطفاء والإنقاذ بوقت الحرب.
ثم تتسابق التساؤلات إلى ذهنك تسابقًا محموما حول تلك العناصر وماهية عملها خاصة وقت الحرب.
علَّ هذا ما دفعنا لإجراء لقاء
- عبر الهاتف - مع
كوثر حرب، إحدى المتطوعات في مركز الغبيرى للدفاع المدنى بالضاحية الجنوبية لبيروت؛ المكان الشاهد على أكثر الغارات الإسرائيلية دموية منذ اندلاع الاشتباكات فى الثامن من أكتوبر 2023 ثم التوغل البرى مطلع أكتوبر الماضى؛ لمحاولة التعرف عن قرب عما تواجهه المرأة للقيام بمهامها في هذا القطاع الإنسانى المهم.
"بحلم يرجع الأمان يسكن لبنان" ..بهذه الكلمات التى تحمل فرحا ممزوجا بالألم بعد وقف إطلاق النار فى لبنان، الذى بدأ منذ فجر الأربعاء الماضى، مضيفة "صحيح خسرنا كتير فى الحرب لكن واثقة إننا بنقدر نرجع نقوم من جديد ونبنى لبنان،...".
وعن بداية التحاقها بفرق الإنقاذ فى الدفاع المدنى ، تقول كوثر - التى لم تتجاوز العشرينيات من عمرها - تطوعت في الدفاع المدنى منذ 7 سنوات وكنت وقتذاك طالبة بالسنة الأولى بالمرحلة الجامعية، وذات يوم تعرضت لحادث عام 2017 كان السبب المباشر لالتحاقى بالدفاع المدني.
وفى سردها التفاصيل، تقول "كوثر": أُصبت بنزيف شديد نتيجة الحادث؛ وظللت أنزف ساعات طويلة فى مكان الحادث ؛ حيث كانت هناك أحداث عنف وشجارات في الطريق حالت دون وصول سيارة الإسعاف إلى ؛ وكان على الانتظار دون أن يستطيع أحد من المحيطين بى تقديم المساعدة لى أو إسعافى بالرغم من تعاطفهم الكبير معى؛ ما عرض حياتى للخطر.
جالت بخاطرى وقتذاك أفكار عن هؤلاء الذين يكونوا جرحى فى أماكن حوادث أو حرائق ويكونوا فى أمس الحاجة للمساعدة وقررت أن أتطوع ضمن فرق الدفاع المدني فور انتهاء فترة علاجى؛ لأمد يد العون لكل لبنانى يحتاج مساعدة.
وعن سبب صمود الشعب اللبنانى وتشبثه بالحياة ؛ وقوة المرأة اللبنانية بشكل خاص ، قالت كوثر": إننا نحب الحياة لعدة أسباب منها الطبيعة فى لبنان وأيضًا كثرة مشاهد الألم؛ لقد عاصرنا الوجع لدرجة أن الشعب اتخدر من الألم ؛ فبحثنا بقوة وعزيمة عن سبل الحياة والفرحة ؛ لا نسمح بالوجع يهزمنا حتى لو ضاقت بنا سبل الوصول لم ولن نأيس، لدرجة أن الشباب عمل إفيهات على صوت الغارات الإسرائيلية.
وأيضا تنوع الثقافات وتعددها فى لبنان أثر على تشكيل شخصيتنا".
تستكمل "كوثر" حديثها بنبرات صوت تخبرنا بما هو أكثر مما نعتقد قوة المرأة اللبنانية التى لطالما كانت أيقونة من أيقونات الجمال في العالم – قائلًة "لقد مررنا بالكثير من الأزمات وهذا انعكس على مكونات شخصية اللبنانى ؛ استشهدت على ذلك برسمة الأرزة التى يحملها العلم اللبنانى ؛ موضحة أنها رمز الصمود والعزة ".
و"هكذا حرص والدى ووالدتى على تنشئتنا وأشقائى أيضًا على مواجهة الأزمات بقوة، وثقة فى النفس"، تقول كوثر.
تضيف كوثر ؛ "والدى أيضا كان متطوعا فى الدفاع المدنى؛ فتعلمت منه مساعدة الآخرين والشجاعة."
وعن أيام الحرب تقول : منذ اللحظات الأولى للغارات الإسرائيلية كنا فى الميدان أى منذ استهداف حسن نصرالله؛ وكنا نسرع لنجدة الضحايا، لم أتردد لحظة رغم أننا كنا نعمل تحت القصف المباشر ، فالعدو الإسرائيلى لم يستثنى أحدًا حتى سيارات الدفاع المدني رغم أنها تحمل بشكل واضح شارات المديرية ، لكننا تعرضنا للقصف أكثر من مرة .
فى البداية أسرتى خافت من نزولى للضاحية أثناء تعرضها للغارات ؛ لكن قلت لهم عبارة واحدة"عار عليا إذا كان بمقدورى تقديم مساعدة لأهلنا ولا أقدمها".
تستكمل "كوثر"؛ قائلًة: بالطبع وقت القصف كان ينتابنى الخوف لبعض الوقت؛ لكننى سريعًا ما كنت أتخلص من هذا الإحساس وأتذكر ثقة المستغيثين بنا ودائما أتذكر أننى أتحمل مسؤولية هؤلاء الجرحى وإنقاذهم ، وأيضا أن أثبت دائما أمام العالم أن للمرأة اللبنانية دورًا وطنيًا لا يقل عن الرجل ، لذلك فالنساء بلبنان يشتغلن ب"اللحم الحى".
تسرد "كوثر" مواقف لن تمحى من ذاكرتها عايشتها أثناء عمليات الإطفاء و الإنقاذ عقب الغارات الإسرائيلية فى الضاحية الجنوبية لبيروت، فتقول : أقسى ما شاهدته مشهد الأمهات وهن يبحثن عن أطفالهن العالقين تحت الأنقاض ويصرخن مستغيثات بِنَا لاستخراج أبنائهن وعيونهن تحمل الرجاء بِنَا كآخر أمل لهن ولكن الأصعب أننا كنا نجد الكثير منهم أشلاء، تلك اللحظات الأصعب فى حياتى؛ كيف يمكننى إبلاغ الأم بهذه الصدمة .. إلى جانب إصابة واستشهاد عدد من زملائنا أمام أعيننا أثناء عمليات الإنقاذ والبحث ، من بينهم زميلنا علاء قبلان الذى استشهد أثناء القيام بواجبه فى إحدى المهمات يوم اغتيال حسن نصرالله .."يوم اغتيال حسن نصرالله كان الأكثر صعوبة - تقول كوثر - فحجم الدمار والإصابات الذى خلفته الغارات فى ذلك اليوم كان مروعا وكان عدد الذين يحتاجون إنقاذ كبيرا فى وقت واحد.. وهناك موقف لن أنساها فى ذلك اليوم أخرجنا من تحت الأنقاض طفلين ملاصقين بعضهما لبعض وأياديهم متشابكة ؛ أحدهما استشهد والآخر ظل حيا.
وأستذكر موقفا آخر عالقا بذهني ؛ يعود لـ27 من أكتوبر الماضي ؛ حيث كانت هناك هرة عالقة تحت الأنقاض بإحدى المناطق فى الضاحية وكنا نسمع صوتها من تحت الأنقاض كأنها تستغيث وطلب النجدة؛ فاستمرت عناصر الدفاع المدنى تبحث تحت الأنقاض لساعات طويلة؛ حتى تم إخراجها حية وخضعت للعلاج.
وعن الآثار التى طبعتها تلك الأحداث المؤلمة على حالتها النفسية ؛ توضح "كوثر" أن بالتأكيد تترك تلك المشاهد وغيرها آثارا عميقة قد تتسبب فى فقدان الشهية لفترات ونوع متقطع، شريط المشاهدات يمر أمام عينى كلما غفوت، أصوات الأمهات الثكلى والأطفال تحت الأنقاض ترن فى أذنى.
وعن آلية عمل عناصر الدفاع المدنى وقت الحرب ، تقول كوثر ؛ فور تلقينا الاستغاثة نجرى تقييما سريعا للمكان وقوة الغارات بها وحجم الدمار الناجم عنها لتحديد عدد العناصر والمعدات اللازمة لحجم العمليات بتلك المنطقة ، وبمجرد وصولنا إلى مكان الغارة نجهز قائمة بأسماء سكان العقار الذى تعرض للغارة، ثم نبدأ بعملنا للإطفاء والبحث عن العالقين تحت الأنقاض .. ومن ضمن استعدادات للعمل ارتداء الخوذة والكمامات ومعنا معدات مثل خراطيم الإطفاء والجرافات والمقصات الهيدروليكية وغيرها .
وجهت "كوثر " فى ختام حديثها رسالة قالت فيها "من مواطنة لبنانية تحدثكم من أرض لبنان التى عانت كثيرًا ولا تزال .. إن معركتنا مع الإنسانية ضد اللاإنسانية ؛ لبنان بحاجة لدعم كل إنسان والتضامن الإنساني والعدالة ؛ وقوة الحق تسانده ..وسنظل لآخر نفس مثابرون ومستمرون في مهامنا لدعم الشعب اللبنانى وإعادة إعمار وبناء لبنان جديد ".
ووجهت الشكر لكل من آزر لبنان فى محنته ؛ فى مقدمتهم مصر ؛ قائلًة "تحية لأم الدنيا شقيقة النضال؛ داعمة الإنسانية والحق في الحياة .. إن معركتنا مع الإنسانية ضد اللاإنسانية ؛ لبنان بحاجة لدعم كل إنسان والتضامن الإنساني والعدالة ؛ وقوة الحق تسانده ..وسنظل لآخر نفس مثابرون ومستمرون في مهامنا لدعم الشعب اللبنانى وإعادة إعمار وبناء لبنان جديد ".
ووجهت الشكر لكل من آزر لبنان فى محنته ؛ فى مقدمتهم مصر ؛ قائلًة "تحية لأم الدنيا شقيقة النضال؛ داعمة الإنسانية والحق في الحياة ".
MENAFN30112024000132011024ID1108941122