Saturday, 10 June 2023 06:45 GMT

الأم عيد

(MENAFN- Al-Anbaa) غالبا ما يستوقفني معنى الكلمات والمصطلحات التي تسمى بها الأشياء والأشخاص، حتى تلك التي نتداولها يوميا، لفظ (أم) ذلك الذي احتفل العالم أمس بكل من تحمل هذا اللقب فرفعت الشعارات وأشعلت الشموع وتصاعدت النغمات، جميلة تلك الأجواء تبعث في الأمهات والأبناء روحا جديدة فتتجدد النفس وتسعد الروح.
أثناء بحثي عن معنى لفظ (أم) في المعاجم استوقفني تعريف في علم التشريح كنت قد سمعته سابقا من أحد الاختصاصيين، المصطلح هو الأم الحنون، ولكن المصطلح هنا يختلف عن ذلك الذي توارد إلى ذهنك، الأم الحنون هو الغشاء الوعائي الرقيق المؤلف للطبقة الداخلة من الأغلفة الثلاثة المحيطة بالمخ والحبل الشوكي.
قد يكون العالم الذي أطلق هذا اللفظ مدركا تماما لمعنى الأم الحنون وإلا لما كان أطلقه على هذا الجزء الدقيق جدا من جسم الإنسان، هل لاحظتم واسمحوا لي ببعض الإسباغ الأدبي على هذا التعريف، هل لاحظتم أن مصطلح الأم الحنون هنا يقصد به غشاء والغشاء هو ما يغطي ويغلف الجلد، ونرى بوضوح وجه الشبه بين ما يروم إليه التعريف وبين الأم، تلك الإنسانة التي تحرص على أن تكون دافئا منذ مهدك، فلا تكف عن الحرص على أن يكون فراشك دافئا فتتأكد على وجود غطائك بمكانه طوال الليل وإن كلفها الأمر نومها الهانئ، وتظل ترسل أغطيتها من أحضان وقبل وأدعية مختلطة بالدموع طوال العمر، لتظل تحمي قلبك من برد المشاعر وقسوة الأيام. وإذا ما عدنا للتعريف وجدنا أن هذا الغشاء وعائي والوعاء دائما يجمع ويحتوي، كما الأم والأم الحكيمة قلب كبير يحوي الكل لا يرفض أحدا، هي تحتوي الصالح ليزيد صلاحه وتحتوي من زادت مساوئ تصرفاته على أمل أن يتبدد كل سوء خالط قلبه فيعود إلى رشده، رقيق ذلك الوعاء رغم مهمته العظيمة وهو لا يصلح إلا أن يكون رقيقا فهو مؤلف لطبقة تحيط بالمخ والحبل الشوكي فلو كان سميكا لما كان قادرا على حماية ورعاية هذه الأجزاء المهمة، كما الأم تماما فلا نمو لعقول من تحتويهم إن كانت الغلاظة والفظاظة هي أساس تعاملها معهم، الأم لا ينبغي إلا أن تكون إن كانت أما حنونا بحق رقيقة هينة لينة وإن اتخذت الحزم طريقا في بعض الأمور والظروف حتى يستقيم حال من تسعى لتنشئته.
على صعيد آخر عندما تأملت هذا المصطلح الذي أطلق على هذا الجزء من تكوين الدماغ، لوجود تشابه في وظيفته ومهمته الحساسة، وجدت أنه من باب أولى أن يطلق مصطلح الأم الحنون على كل امرأة لم تهبها الحياة فرصة لتلد طفلا، وكانت أما حنونا برعايتها باحتوائها وحكمتها ربما بطريقة تفوق الأم البيولوجية التي لم تجهد نفسها حتى بشرف محاولة جدية لتغيير الصفات السيئة فيها فنحن بشر ومن منا الكامل، هي لم تحاول من أجل أطفال، كانت سببا في وجودهم على هذه الأرض ومع الأسف ربما تكون سببا في تعاستهم وأمراضهم النفسية.
أنت أم حنون بكل ما تقدمينه وتبذلينه من أجل أي طفل من الممكن أن تتركي عليه بصمة جميلة، بتشجيعك له ليكون واثقا بنفسه، بحرصك على حثه لتطوير ذاته باستمرار، بابتسامتك الدائمة وعطائك المتواصل، بثباتك على مواقفك وبث روح الحب والتسامح، بعدم كسرك لقلب طفل بكلمة جارحة، أو صوت عال، بعدم تسفيهك لأحلامه وطموحه مهما كان صغيرا في نظرك، أنت أم حنون سواء كنت أما أو أختا، عمة، خالة أو صديقة معلمة أو مربية.
يوم أمس لم يكن عيد أم فحسب، فالأم هي العيد، بإعادتها لكل فعل جميل، الأم عيد بدوامها على الرعاية والدعم والحب والاحتضان، احتضان القلب قبل الجسد، الأم ليس شخصا يظهر ليوم في حياة أبنائه، وكذلك عيدها، الأم من تحرص على رسم صورتها الجميلة في أذهان أبنائها ومن يعنيها أمرهم بتصرفاتها قبل هندامها، وأمام نفسها قبل الناس، أن تكون صادقة مع نفسها، ليصدق عيدها.
وكل يوم هو عيد لكل أم حنون في العالم.
دمتم بحب وسلام.

MENAFN21032023000130011022ID1105833462


إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.