(MENAFN- Al-Borsa News)
فى بداية دراستى لعلم الاقتصاد كنت لا أستوعبه أو لا أستطيع تخيُل جوهره حتى قال لى أستاذى فى المدرسة آنذاك إنه علم إدارة النُدرة.. أتذكر ذلك جيداً، وأتذكر مدى تأثرى وشغفى لمعرفة هذا العلم الذى تعلمته لاحقاً فى جميع دراساتى الجامعية وما بعدها؛ ما قاله الأستاذ كان أهم مبدأ من مبادئ هذا العلم الذى يدرس سلوك المجتمع وكيفية إدارة الموارد المحدودة أو ما يُعرف بالنُدرة.
أمتع ما فى علم الاقتصاد هو كمية المتغيرات التى تتغير فى آن واحد وتؤثر على بعضها البعض.. لا تتكرر ولكنها تتشابه عبر الزمن لأنها مُرتبطة بسلوك المجتمع والفرد.
ممتع حقاً مشاهدة تلك المتغيرات، ولعل عدم تكرارها وإمكانية تطبيق النماذج الاقتصادية من مجتمع لمجتمع أو مجتمع واحد فى أزمنة مختلفة هو ما دفع الدكتور جلال أمين قبل عقود بالإشارة إلى أن علم الاقتصاد ليس علم من الأساس ولكنه دراسات ونظريات.
الموضوع غير معقد، صحيح الحلول والابتكارات المالية الكثيرة عالمياً سرعت من النمو فى وقت من الأوقات ولكنها تسببت فى أزمات تعقبها أزمات عبر الزمن حتى أثرت على نماذج الاقتصاد التى كان يدار بها العالم من الدول ذات السيادة الاقتصادية فجعلت الاقتصاد العالمى واقتصاد الدول هش.
وهناك الكثير من الحلول التى يُفكر بها الاقتصاديون على مستوى العالم، حتى أصبح هناك سؤال مطروح فى ذهن كل اقتصادى.. هل نحن فى احتياج لمدرسة اقتصادية جديدة؟، فى رأيى نعم، وحتماً سيحدث تغيير إما أن نرتب له ونرسم له طريق وإما سنساق إليه عبر الزمن القريب.
فحتى الآن يتبنى العالم أيدولوجيات ومفاهيم قديمة تصل لـ240 سنة تقريباً وهى الرأسمالية والاشتراكية ثم العولمة فى بداية القرن العشرين التى تبنتها مصر فى عصر الانفتاح والاستيراد وترويج فكرة أن العالم قرية صغيرة.
ولابد من وجود مفهوم جديد أو حتى توحيده عالمياً حتى نستطيع التعايش على نفس الكوكب.. ولكن من مسئول عن ذلك؟! صحيح أنه لا يوجد مدرسة أو نظرية اقتصادية يمكن تطبيقها عالمياً أو على دول بعينها لتحل مشاكل العالم.. لكن من يتبنى مبادئ الفكر الاقتصادى الجديد؟، وهل هناك أو كان هناك أحد متبنى للفكر الاقتصادى الحالى وتطوره؟، ومن يهُمه هذه المبادئ حقاً؟، عموماً سواء أدرنا التغيير أم لم ندره، التغيُر مستمر وقادم.
اقرأ أيضًا.. أحمد عز يكتب: أين تذهب رؤوس الأموال فى ظل ما يعانيه العالم؟ أما مصر فتعانى حتى الآن من عصر الانفتاح والتحول للرأسمالية، حيث كان من غير السهل على الحكومة أن تتخلى عن الشعب فى صورة الإعانات والدعم لأسباب سياسية واجتماعية؛ وحتى عصر الانفتاح ذلك العصر الذى تزايد الاستيراد فيه بوتيرة هائلة ونقلت الحكومة آنذاك هذا المرض والفكر للشعب فأصبح مستورد لكل شيء وغير منتج تقريباً لأى شيء بالمقارنة بالتصدير والحاجات الأساسية.
أتذكر عدد لا بأس به من الأصدقاء الذين حاولوا تصنيع منتجات فى العقود السابقة وتوصلوا أن الاستيراد أوفر لهم؛ وما أن حدث التغيُر فى فكرة القرية الصغيرة والعولمة واضطررنا لعمل كشف واقعى عن إمكانية الاقتصاد من الإنتاج والتصدير.
ولذلك سأسرد بعض التغيرات التى ستحدث فى السنوات اللاحقة وإن لم تحدث ولم تشاهدها فاعلم أننا لم نتغير بل نقاوم، ولو أننى على يقين من أنها ستحدث فى الثلاث سنوات القادمة.
– تغيُر فى الصناعات مثل قطاع العقارات وظهور جيل آخر فى العديد من الصناعات سيستطيع تنظيم قطاعات أخرى وستحدث حالة رواج للشركات الناشئة العاملة فى التصنيع بتمويل من رجال الأعمال ويا حبذا لو ارتفع المكون المحلى فى الإنتاج وتكون شركات قادرة على التصدير.
– تغيُر فى السلوك الاستثمارى للمجتمع وخصوصاً الشباب مثل تعلم الاستثمار فى البورصة وتحول المجتمع عموماً من مجتمع استهلاكى لمجتمع إنتاجى حيث ستتغير صفات رجل الأعمال وصانع الثراء من المستورد فى السبعينات إلى المُصنع فى السنين القادمة.
– التغيُر فى الفكر العام، والاحتياج التام للفنيين وظهور مدارس فنية حقيقية لتلبية احتياجات سوق العمل.
– الاعتماد العام على المُنتجات المحلية، ونمو حالة من توحيد الأهداف والتكاتُف بين الحكومة والشعب.
– تغير فى مستوى الكفاءات الوظيفية حيث سيتم إدارة الحكومة لوحداتها فى ضوء وحدات اقتصادية قائمة بذاتها.
– عالمياً ومحلياً تغير خصائص وصفات الأصول مثل الذهب والعقارات من حيث معدلات السيولة والتذبذب وحفظ القيمة، حتى تظهر أصول جديدة وستتغير العملات من حيث الهيمنة لا محالة.
ما يُعرف بالتغير المُدار لا يأتى إلا بتصديقه والقوة والإرادة المشتركة من الحكومة والشعب؛ حالياً ربما مازلنا لا نستطيع أن نتوقع شكل التغيُر الذى سيكون عليه العالم فى الأعوام القليلة القادمة، ولكن محلياً وفى مصر، يمكننا أن نرى ما يمكن أن نكون عليه لو لم نُدر التغيُر.