خيبة الآمال العراقية في مؤتمر المانحين | سنديكيشن بيورو


(MENAFN- Syndication Bureau)

قبيل انعقاد مؤتمر المانحين الدولي، سربت مصادر مجهولة من لدن المؤسسات الرسمية الامريكية اقوالا تفيد بأن الولايات المتحدة لن تلتزم بإغداق اي اموال لغرض اعادة بناء العراق، على الرغم من ان وزير الخارجية ريكس تيلرسون كان من المقرر ان يحضر لمدة 15 دقيقة في هذا الحدث في الكويت. وفي اليوم الاول من المؤتمر، اصدر الرئيس دونالد ترمب احدى تغريداته المثيرة حيث قال: “سيكون هذا اسبوعا مهماً بالنسبة للبنية التحتية (الامريكية). بعد ان صرفنا وبشكل غبي 7 تريليون دولار في الشرق الاوسط، حان الاوان للإستثمار في بلدنا!” قد يتساءل المرئ إن كانت هذه الشقشقة الرئاسية ذات صلة بمناشدات من جانب تيلرسون الى رئيسه الممانع والتي تذهب الى أن على امريكا قيادة عملية اعمار العراق من خلال فتح محفظتها. لأن الامر من دون ريادة امريكية قد يجعل دول الخليج، وخصوصا المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، يستنتجان بأن هذه المسألة ليست بتلك الاولوية بالنسبة لإدارة ترمب مما يرفع عنهما المسؤولية لدفع ما تتطلبه عملية اعادة اعمار المناطق السنية والتي دُمرت خلال محنة داعش التي استمرت لمدة ثلاث سنوات. ولكن عند المراجعة، قد يتضح بأن النتائج المخيبة للأمال التي انبثقت عن المؤتمر قد تؤول في مجملها الى سوء ادارة التوقعات من قبل العراقيين انفسهم وفشلهم في قراءة المواقف الدولية والاقليمية بصورة واضحة.

وإن كانت دول الخليج تروم تجنب دفع الفواتير الهائلة لإعادة اعمار العراق، والتي قدرتها الحكومة العراقية بنحو 88 مليار دولار، فإن مسعاها هذا قد تم تحقيقه من قبل الوفد العراقي نفسه الذي اخفق في جعل امر معالجة ما خربته داعش اولوية غايات المؤتمر. فبدلا من ذلك، اتى الوفد العراقي محملا بلائحة من الامنيات الخيالية، مثلا، طلبهم من المجتمع الدولي الاستثمار في مترو بغداد الذي تبلغ تكلفته المتوقعة 6 مليارات دولار. بل ان غالبية المشاريع المقترحة والتي تراكم عددها الى 212 مشروعا والتي عرضها الجانب العراقي كانت في مناطق لم يمسها التوغل الجهادي. فاختتم المؤتمر بجني 1.6 مليار دولار كتبرعات مباشرة، و10 مليارات دولار اخرى كضمانات لقروض مستقبلية، و3 مليارات دولار من الائتمانات لتسهيل عملية تصدير بضائع وسلع امريكية الى العراق. وهذا الالتفاتة الاخيرة قد تشغّل مصانع ولاية بنسيلفانيا ولكنها لن تعالج قضية البطالة المتفشية ما بين شباب الموصل والحيلولة دون التحاقهم مجددا بموجات الثورة والجهاد.

إن هذه العوائد الضئيلة والباهتة من بعد التضخيم ورفع سقف التوقعات على ما سيتم انجازه في مؤتمر الكويت لا بد وان تضع آثارا فورية ومقلقة على الاقتصاد العراقي، مما سينعكس تلقائيا على الحظوظ السياسية لدى رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي. في الاشهر التي سبقت المؤتمر، كانت الحكومة العراقية ترسم موازناتها لهذا العام وسياساتها المالية على اساس الآمال بأن الاموال الخليجية ستعوض النقص المالي المطلوب لغرض اعادة الاعمار. ولكن، وبصراحة تامة، لن يستطيع العراق تحمل هذه الكلف، وبالتأكيد لن يقتدر على ذلك إذ لم يعالج احجام رواتب القطاع العام المتضخمة والتي تعد من المسائل الحساسة سياسياً. فكان المسؤولين العراقيين يعتقدون بأن الضغوطات الامريكية ستجتمع مع رغبة اقليمية بالحد من المظالم الاقتصادية التي قد تعيد الانفاس الى داعش، مع استمرار شهر العسل ما بين بغداد والرياض وتوجّه الاخيرة الى تقليص النفوذ الايراني في العراق، وستؤدي هذه العوامل مشتركة الى تدفق نحو 20 مليار دولار نقداً في سبيل تمويل الجهود الاغاثية العاجلة. ومن شأن ذلك اصلاح ما يقدر بـ 140 الف منزل كان قد تضرر او دمر بسبب القتال الذي امتد الى خمس محافظات ولا تزال آثاره ماثلة في تعليق مصير اكثر من مليوني لاجئ ينتظرون العودة الى مدنهم واحياءهم المنكوبة. ليس ذلك فحسب، بل كان الجانب العراقي يتوقع اعلانا لمبادرة سعودية لشطب الديون التي قدمتها ابان الحرب العراقية الايرانية والتي تشكل عبئا على كاهل التصنيف الائتماني للعراق وتعيق قدرة البلد على الاقتراض من المصارف الدولية. وهذا ايضا لم يحصل.

وفي الاسابيع التي سبقت الاجتماع، ادركت الحكومة العراقية بان هذه الاموال “السهلة” لن تكون في انتظارها في الكويت. لذا اعادوا تحوير خطتهم بشكل متعجل ومتخبط، فبدلا من التركيز على جمع التبرعات، قرروا استعراض الفرص الاستثمارية في جميع ارجاء العراق. ولكن عند قيامهم بذلك، فهم سنحوا للمجتمع الدولي فرصة في التهرب من واجباته الاخلاقية والاعتبارية تجاه العراق الذي استطاع هزيمة داعش بأثمان باهضة.

كما ابرزوا بغير قصد اوجه القصور في ادارة الدولة والتي ابتلى بها العراق الجديد منذ عام 2003. فهناك جثث محنطة لفتيات صغار، لواتي الضفائر الرقيقة، تخرج من حطام الموصل القديمة الى يومنا هذا، من بعد مرور خمسة اشهر على صمت المدافع. ولا يزال هناك الآلاف من “المختفين” الايزيديين. كما ان وسائل التواصل الاجتماعي مليئة بصور روافد نهر دجلة المجففة، والتي تخترق مساحات زراعية تعيل مئات الآلاف من السكان.

فهل هذا حقا افضل الاوقات لتوجيه انتباه المانحين والمستثمرين الى سكة قطار آحادي لمدينة بغداد وبتكلفة 1.5 مليار دولار؟ او الى مطار دولي في الناصرية؟ وهل الكويت مكانا مناسبا للبحث عن مستثمرين مستعدين لإيداع 6 مليارات دولار مقابل انشاء ميناء الفاو الكبير؟ هذا الميناء سينافس ميناء مبارك الكويتي والذي بني حديثا مباشرة عبر مجرى خور الزبير المائي مقابل الموقع المفترض لميناء الفاو. وقد استطاعت الكويت ان تسبق العراق الى خلق هذه المنشأة الحيوية ذات الابعاد الجيوستراتيجية الكبيرة. مما قد يحدو بالمستشر بأن يتساءل لماذا حدث ذلك، بالرغم من تمتع العراق لمدخولات نفطية سنوية بلغت اكثر من 100 مليار دولار على مدى العقد المنصرم، وقد يجد هذا المستثمر جوابا يدور رحاه في ملحمة من الفساد وعدم الكفاءة والبيروقراطية المترهلة وانعدام الرؤية المستقبلية. وهذه تحديات لم يستطع العراق معالجتها الى هذا الحين.

“كان مشهدا محزن لمن رأه،” هذا ما قاله لي رجل اعمال عراقي كان حاضرا في المؤتمر. “كم مرة اخرى سيجد العراق نفسه في دائرة الاهتمام الدولي؟ اضيعت الفرصة، وتبين كم من العمل لا يزال يتعين علينا القيام به قبل ان نتمكن من تقديم خطة عملية واضحة الى بقية العالم.” ولكن هذا التقييم السلبي لم يمنع مستشاري العبادي من اطلاق التغريدات المهللة في موقع تويتر تصاحبها ارقام مضللة تشير الى ان العراق حصل على 22.5 مليار دولار من التزامات مالية واغاثة فورية. قد يكون هذا النوع من التزييف امرا ضروريا لحفظ ماء الوجه امام الناخبين قبل انتخابات شهر ايار القادم بعد ان وعد المسؤولين الشعب العراقي بأن مؤتمر المانحين سيضع مرهما لكافة آلام العراق الاقتصادية والمالية. ولكن هذه التصريحات لن تعيد الحياة الى مصفى بيجي في اي وقت قريب، وهو الذي كان احد اكبر المشغلين للأيادي العاملة في المحافظات السنية، والتي دمر كليا جراء الحرب والنهب.

نعم، هذه هي احجام الخيبات العراقية والفرص التي اضيعت.

AFP PHOTO / AHMAD AL-RUBAYE

MENAFN29082021006092013261ID1102700234


Legal Disclaimer:
MENAFN provides the information “as is” without warranty of any kind. We do not accept any responsibility or liability for the accuracy, content, images, videos, licenses, completeness, legality, or reliability of the information contained in this article. If you have any complaints or copyright issues related to this article, kindly contact the provider above.