لماذا يجب على منتجي النفط من دول الخليج الالتزام بالحياد الكربوني | سنديكيشن بيورو


(MENAFN- Syndication Bureau) AFP photo: Karim Sahib

توجد دلائل ومؤشرات مستترة حول رغبة دولة الإمارات في الإعلان عن هدفها الخاص بانبعاثات ثاني اكسيد الكربون قبل مؤتمر المناخ COP26 في نوفمبر من هذا العام. ووفقًا لمبعوث المناخ الأمريكي جون كيري، فقد توافق المملكة العربية السعودية أيضًا على هدف محايد للكربون بحلول عام 2050. وعليه، هل يجب على منتجي النفط من دول الخليج الالتزام حقًا بالحياد الكربوني، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف لهم الوصول إلى ذلك الهدف؟

وللوهلة الأولى، يبدو طرح هذا السؤال بالشيء الغريب والمستبعد. فلا تزال المنطقة هي المحور الرئيسي للصادرات الهيدروكربوناتية على الصعيد العالمي، وهو يعد أساس اقتصادها. لكن العالم الذي نعيشه يتغير بوتيرة سرعية. فبحلول نهاية العام الماضي، كان أكثر من ثلثي الاقتصاد العالمي قد حدد، أو خطط لتحديد أهداف صافية صفرية، معظمها لعام 2050، وبالنسبة للصين لعام 2060. وفي الوقت الذي تجتاح فيه موجات الحر القياسية الشرق الأوسط والولايات المتحدة، فإن القضاء على صافي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ضروري لإبقاء ارتفاع درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.

ومع ذلك، فقد يكون تحديد الهدف عبارة عن محاولة طموحة لا أكثر، وإشارة إلى التوافق مع الدول الرائدة الأخرى في هذا المجال. ولكن حتى هذا، من شأنه أن يرسل رسالة مهمة إلى مصدري الوقود الأحفوري الذين لايزالون في الصفوف المتأخرة في مسألة التغير المناخي، لا سيما روسيا وأستراليا. ومن منظوري الساخر والمتشائم، إذا لم يحقق الآخرون أهدافهم، فإن أي تقصير من طرف دول مجلس التعاون الخليجي سيكون أمراً هيناً. أما إذا تم تلبية تلك الأهداف، فحينها يصبح الاقتصاد الهيدروكربوني لدول مجلس التعاون الخليجي من تلك الاقتصاديات التي عفا عليها الزمن.

وبناء عليه، فإن وضع هدف فعال وواقعي لدول مجلس التعاون الخليجي، مدعومًا بأهداف ملموسة ومعالم وسيطة، من شأنه أن يساعد في إعداد الاقتصاد المحلي واقتصاد التصدير لدول المجلس بالكامل لثلاثة عقود للتجديد التام. وسيتطلب ذلك أهدافًا وسيطة لعامي 2030 و2040، مثل أهداف الاتحاد الأوروبي، والتي تقضي بخفض انبعاثات 2030 بنسبة 55 في المائة مقابل عام 1990.

وما يُثير القلق هو أن الخطة بأكملها ستصبح غير قابلة للتنفيذ إذا استمرت الانبعاثات في الارتفاع بحلول عام 2025 أو 2030. وقد استغرقت خطة الطاقة النووية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أكبر استثمار منخفض الكربون ما يقرب 13 عامًا، بدءً من الفكرة إلى توليد الكهرباء. ويبقى أقل من ثلاث دورات من هذا القبيل بحلول عام 2050.

ومن المؤكد أن أول دولة خليجية تعلن التزامها بهدف صافي لانبعاثات الكربون ستكون قد أقدمت على مخاطرة كبيرة، فذلك يشكل تخلي مبكر عن الهيدروكربونات بينما لا تزال الأسعار مرتفعة، ناهيك عن وجود احتياطيات ضخمة تحت الأرض هائلة.

لكنها ستكون أيضًا من الرواد في هذا المجال. فبعض المنافسين باشر في عرض وقود محايد الكربون والغاز الطبيعي المسال، مما يقلل الانبعاثات المصاحبة قدر الإمكان، ثم دفع “تعويضات” لتحييد الباقي. وأرسلت عُمان أول شحنة غاز طبيعي مسال خالية من الكربون في الشرق الأوسط، بالشراكة مع شركة شل، في وقت سابق من شهر يونيو.

وبطبيعة الحال، فإن الوصول إلى معدل صافي الكربون لا يعني وقف استخراج واستخدام وبيع النفط والغاز بالكامل. لكن إنتاج النفط على وجه الخصوص سينخفض ​​بشكل حاد. و تخطط وكالة الطاقة الدولية للوصول لصافي الصفر بحلول عام 2050، وإن لم يكن ذلك هو المسار الوحيد المحتمل، حيث أن إنتاج أوبك النفطي ، بشكل رئيسي من دول مجلس التعاون الخليجي وجيرانها ، سينخفض ​​إلى 12.5 مليون برميل يوميًا ، من حوالي 35 مليون برميل يوميًا.

وغالباً ما سيتم استخدام ناتج النفط والغاز المتبقي في الاستخدامات غير المسببة للانبعاثات – مع احتجاز الكربون وتخزينه، أو كمواد وسيطة للمواد طويلة العمر مثل البلاستيك. كما يمكن التخلص من أي انبعاثات متبقية عن طريق الإزالة المباشرة لثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، أو عن طريق زراعة الأشجار مع الاستعانة بالطرق البيولوجية الأخرى. وستكون هناك منافسة شديدة على كمية محدودة من “الانبعاثات السلبية”، كون جميع المستخدمين لن يتمكنوا من القضاء على انبعاثاتهم أو سيعتبرونها في نهاية المطاف ضرورة مفر منها.

وستتجنب الدول الرائدة في هذه الخطة الاستثمار في البنية التحتية عالية الكربون، وستُشجع وتمكن الأفراد والشركات من إعادة توجيه مهاراتهم واستراتيجياتهم. كما سيكون هناك اتجاه واضح للبحث والاستثمار في الشركات الناشئة والتقنيات الجديدة. ومن شأن تلك الاستراتيجيات المساعدة في حماية الاقتصادات دول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وربما المملكة المتحدة ودول أخرى من الاحتمالات الواردة، بشأن تعريفات الكربون الحدودية، والمصممة لمعاقبة الواردات من البلدان التي ليس لديها سياسات صارمة بخصوص الحد من الكربون.

ولكن ما هي تلك الخطة وما مكوناتها؟ من الواضح أن قطاع الكهرباء وتحلية المياه سيكون الهدف الأسهل بالرغم من كل صعوباته. ويخطط واضعوا إستراتيجية الطاقة الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة لأن تحتل الطاقة المتجددة والطاقة النووية نصف سعة التوليد بحلول عام 2050. ويجب زيادة هذه الحصة، وربطها بالبطاريات وخيارات التخزين الأخرى للطلب على الكهرباء ليلاً. كما ستتكامل طاقة الرياح مع الطاقة الشمسية في عمان والكويت والمملكة العربية السعودية. وستستخدم المحطات المتبقية التي تعمل بالغاز والفحم مادة الهيدروجين أو سيتم تزويدها بحاجز الكربون ومخزنه. كما سيساعد توسيع شبكة الكهرباء في دول مجلس التعاون الخليجي، والتواصل بين بالجيران، على تحقيق التوازن بين الإنتاج المتجدد المتغير عبر الأيام والمواسم.

وسيتعين على النقل البري الابتعاد عن مصادر الطاقة القائمة على البنزين والديزل نحو خيارات أفضل مثل“قابلية المشي” و “قابلية الدوران”، والمترو والسكك الحديدية، والسيارات الكهربائية. كما سيتوجب تحويل السفن إلى نظام الدفع الكهربائي لمسافات قصيرة، واستخدام الوقود الاصطناعي المصنوع من الهيدروجين للسفن العابرة للمحيطات. وستحتاج صناعة الطيران الضخمة في دول مجلس التعاون الخليجي إلى إيجاد حلول – ربما مرة أخرى، من خلال بطاريات للتنقل بين المدن، والوقود الحيوي أو مشتقات الهيدروجين للطائرات التي تطير لمسافات بعيدة. ومثل هذه الطائرات ووقودها غير موجود بعد، وسيكون التعاون الدولي في هذا المجال ضروريًا.

وتمضي عُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قدمًا في المشاريع الطموحة القائمة على الهيدروجين، بما في ذلك التحالف بين أدنوك ومبادلة والقابضة في أبو ظبي. وبجانب الكهرباء المتجددة، سيصبح الهيدروجين الوقود الأساسي متعدد الأغراض، فضلاً عن صناعة التصدير التي ستحل محل النفط والغاز جزئياَ. كما سيعني ذلك أيضاً تنظيف الصناعات الثقيلة، وخاصة تكرير النفط، والبتروكيماويات، والحديد، والصلب. وستحتاج مصانع الأسمنت إلى التحول إلى احتجاز الكربون.

ويجب أن يصبح مستخدمي الطاقة أكثر توفيراً، وذلك سيتحقق من خلال إنهاء ما تبقى من الإعانات والدعم، ومن خلال تحسين التصميم والبناء، وعزل المباني وتظليلها بشكل كامل، واستخدام أنظمة التبريد السلبية وإعادة تركيب الهياكل القائمة. ويجب إعادة التفكير في التخطيط الحضري من أجل القابلية للعيش، والقدرة على التكيف مع المناخ، وعيش حياة منخفضة الكربون. إن تحديد سعر لانبعاثات الكربون، كما هو الحال في أوروبا، حيث وصلت الأسعار مؤخرًا إلى مستويات قياسية تزيد عن 50 يورو للطن ، من شأنه ذلك أن يكافئ التقنيات والسلوكيات منخفضة الكربون.

وللتخلص من الانبعاثات المتبقية، فإن زراعة الأشجار، كما حددتها المملكة العربية السعودية بطموح في شهر مايو الماضي، واستعادة غابات المانغروف، من شأنها ذلك امتصاص الكربون في النظم البيئية الطبيعية. ويمكن أن يصبح الخليج مركزًا لالتقاط الهواء المباشر، حيث تمتص أساطيل من الآلات التي تعمل بالطاقة الشمسية والرياح ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وتحقنه تحت الأرض. ويمكن لسلطنة عمان امتصاص أكثر من مليار طن من ثاني أكسيد الكربون عن طريق خلق تفاعل بين ثاني أكسيد الكربون والمعادن في جبالها الشهيرة. وتلك الانبعاثات السلبية مصدر آخر من المصادر التي تعكس قيمة دول الخليج.

إن الحجم الهائل لهذه المشاريع وسرعة التغييرات المطلوبة أمر شاق. لكن كل ما سبق من صعاب سبب إضافي للمضي قدمًا. والتحدي هائل لكل بلد من بلدان العالم، وقد يبدو التحدي أكبر خاصًا لدول الخليج، لأنه يتطلب أيضًا تجديدًا كاملاً للاقتصاداتها. ولتحقيق نجاح هائل في الهيدروجين، لن يقترب تصدير الكهرباء المتجددة واحتجاز الكربون من استبدال ريع النفط والغاز. ويجب أن ينبعث اقتصاد منتج جديد على أسس الاقتصاد القديم.

إن مسألة القضاء على الانبعاثات المحلية في الخليج أسهل من العديد من البلدان الأخرى. وقد لا يتحقق صافي الصفر بحلول منتصف القرن، لكنه سيكون أفضل بكثير بالنسبة للمناخ ولجميع الدول أن تقطع شوط في هذا المضمار عوضاً عن البقاء في خط البداية.

روبن ميلز هو الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، ومؤلف كتاب “أسطورة أزمة النفط”.

 

MENAFN29082021006092013261ID1102698179


Legal Disclaimer:
MENAFN provides the information “as is” without warranty of any kind. We do not accept any responsibility or liability for the accuracy, content, images, videos, licenses, completeness, legality, or reliability of the information contained in this article. If you have any complaints or copyright issues related to this article, kindly contact the provider above.